العارفين إلى قدس نعته فراقبوه ثم شاهدوه ، وهدى الموحّدين إلى علاء سلطانه في توحد كبريائه فتركوا ما سواه وهجروه ، وخرجوا عن كلّ مألوف لهم ومعهود (١) حتى قصدوه. فلمّا ارتقوا عن حدّ البرهان ثم عن حدّ البيان ثم عمّا كالعيان علموا أنّه عزيز ، وأنّه وراء كلّ فصل ووصل ، فرجعوا إلى موطن العجز فتوسّدوه.
(وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى)
أي النبات.
(فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى)
جعله هشيما كالغثاء ، وهو الذي يقذفه السيل. و (أَحْوى) أسود.
(سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (٢)
سنجمع القرآن في قلبك ـ يا محمد ـ حفظا حتى لا تنسى لأنا نحفظه عليك.
(إِلَّا ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى)
مما لا يدخل تحت التكليف فتنساه قبل التبليغ ولم يجب عليه أداؤه.
وهو ـ سبحانه ـ يعلم السّرّ والعلن.
قوله جل ذكره : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى)
والذّكرى تنفع لا محالة (٣) ، ولكن لمن وفّقه الله للاتعاظ بها ، أمّا من كان المعلوم من حاله الكفر والإعراض فهو كما قيل :
__________________
(١) هكذا في م وهي في ص (معبود) وقد رجحنا (معهود) لتلاؤمها مع (مألوف). ولكن إذا تذكرنا أن الصوفية يرون الانسياق وراء الهوى نوعا من الشرك الخفي ـ قال تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) ـ فيمكن في ضوء ذلك قبول (معبود) أيضا.
(٢) يرى الجنيد أن المعنى «فلا تنسى العمل به» ، وهذا من الآراء الحسنة التي يتمشى معها رأى القشيري فى (إِلَّا ما شاءَ اللهُ).
(٣) ولهذا تفسر (إن) فى الآية على معنى (ما) : أي فذكر ما نفعت الذكرى ، ولا يكون لها حينئذ معنى الشرط ، وتفسر على معنى (إذ) مثل : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، وعلى معنى (قد).