يختار ما يشاء ومن يشاء من جملة ما يخلق. ومن ليس إليه شىء من الخلق. فما له والاختيار؟!
الاختيار للحقّ استحقاق عزّ يوجب أن يكون ذلك له ، لأنّه لو لم ينفّذ مشيئته واختياره لم يكن بوصف العزّ ، فمن بقي عن مراده لا يكون إلّا ذليلا ؛ فالاختيار للحقّ نعت عزّ ، والاختيار للخلق صفة نقص ونعت بلاء وقصور ؛ فاختيار العبد غير مبارك عليه لأنّه صفة هو غير مستحقّ لها ، ومن اتصف بما لا يليق به افتضح في نفسه ، قال قائلهم :
ومعال إذا ادّعاها سواه |
|
لزمته جناية السّرّاق |
والطينة إذا ادّعت ما هو صفة الحقّ أظهرت رعونتها ، فما للإنسان والاختيار؟! وما للمملوك والملك؟! وما للعبيد والتصدّر في دست (١) الملوك؟!
قال تعالى : (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٢)
قوله جل ذكره : (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩))
ولم لا وقد قال : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)؟ فالعلم ـ الذي لا يعزب عنه معلوم ـ نعت من لم يزل ، والإبداع من العدم إلى الوجود يتفرّد بالقدرة عليه لم يزل.
قوله جل ذكره : (وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠))
(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) : توحّد بعزّ هيبته ، وتفرّد بجلال ربوبيته ، لا شبيه يساويه ،
__________________
(١) هكذا في م وهي الصواب ، أما في ص فقد وردت (درس) وهي خطأ في النسخ.
(٢) واضح من مذهب القشيري شىء هام جدا أنه يقف عند (ويختار) وتكون (ما) فى هذه الحالة نافية ، وهو بهذا ينسجم مع مذهب أهل السنة في أن الله خالق كل شىء حتى أكساب العباد.
أما الزمخشري فيرى (ما كان لهم الخيرة) بيانا لقوله (ويختار) ولهذا لم يدخل العاطف. ويرفض الطبري أن تكون (ما) نافية لئلا يكون المعنى إنهم لم تكن لهم الخيرة فيما مضى وهي لهم فيما يستقبل ، ويرد عليه بأن (ما) تصلح لنفى الحال والاستقبال.