أما قولهم : إن الفائدة ، إنما تحصل مع النصب لا مع الرفع ، لأن النصب لا يلغى فيه الظرف بخلاف الرفع ، وحمل الكلام على ما فيه فائدة أولى. فنقول هذا لا يوجب منع الجواز ، لأن قصارى ما يكون مانعا التكرار ، والتكرار لا يوجب منع الجواز ، لأن من كلامهم أن يؤكد اللفظ بتكريره ، وإن حصلت الفائدة بالأول كقولك : ضربت زيدا زيدا. وأكرمت عمرا عمرا. فيكون الثانى توكيدا للأول ، وإن كان قد وقعت الفائدة ، ولا يقال : إن ذلك لا يجوز لحصول الفائدة بالأول ، وكون التأكيد جائزا فى كلامهم مستعمل فى لغتهم على هذا النحو لا يمكن إنكاره بحال ، فلا يجوز أن يكون مانعا. وأما قولهم فى الوجه الثانى أنه يؤدى إلى أن يتقدم المضمر على المظهر ، فنقول : هذا التقديم فى تقدير التأخير ، وإذا كان الضمير فى تقدير التأخير ، لم يكن مانعا من وجود التقديم. كقوله تعالى :
(فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى)(١)
فالهاء فى (نفسه) تعود إلى (موسى) ، وإن كان مؤخرا فى اللفظ عن الضمير ، إلا أنه لما كان (موسى) فى تقدير التقديم ، والضمير فى تقدير التأخير ، كان ذلك جائزا ، فكذلك ههنا والشواهد على هذا النحو كثيرة جدا ، وقد بينا ذلك مستوفى فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (٢).
قوله تعالى : (لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً) (٢١).
خاشعا متصدعا منصوبان على الحال من الهاء فى (رأيته) ، لأن (رأيت) من رؤية البصر.
قوله تعالى : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) (٢٤).
__________________
(١) ٦٧ سورة طه.
(٢) المسألة ٣٣ الإنصاف ١ ـ ١٦٤.