الأصل في هذه الألفاظ المستعملة مجازا في كلام الشّارع ، هو استعمالها في خصوص الصحيحة أو الأعم ، بمعنى أنّ أيّهما قد اعتبرت العلاقة بينه وبين المعاني اللغوية ابتداء ، وقد استعمل في الآخر بتبعه ومناسبته ، كي ينزل كلامه عليه مع
______________________________________________________
الشارع العلاقة بينه وبين المعنى اللغوي ، والذي جرت عادته عند إرادته على نصب قرينة صارفة فقط ، هل كان هو الصحيح أو الأعمّ ، ولكن لا يمكن لمنكر الحقيقة الشرعية والقائل بمجازية استعمالات الشارع إثبات هذين الأمرين ، إذ من المحتمل ملاحظة الشارع العلاقة بين كلّ من الصحيح والأعمّ ، وبين المعنى اللغوي في عرض واحد ، أو كان ديدنه نصب قرينة معيّنة لكلّ منهما.
وذكر بعض الأعاظم رضى الله عنه أنّه يكفي في جريان النزاع على القول بمجازية استعمالات الشارع إثبات أحد الأمرين المزبورين ، فإنّه لو ثبت سبك أحد المعنيين عن الحقيقة ، وسبك الآخر من المجاز ، كان كلامه عند قيام القرينة الصارفة عن المعنى اللغوي ظاهرا في إرادة المسبوك من المعنى الحقيقي لا محالة ، كما أنّه لو قيل بأنّه كانت عادته على عدم نصب قرينة معيّنة لأحد المعنيين ، بل كان تفهيمه بالقرينة الصارفة فقط ، كان اللفظ ظاهرا فيه عند قيام القرينة الصارفة فقط ، حتّى مع ملاحظته العلاقة بين كلّ من المعنيين والمعنى اللغوي في عرض واحد (١).
أقول : لا يخفى ما فيه ، فإنّه كيف يكون ظهور اللفظ في أحد المعنيين بخصوصه بقيام القرينة الصارفة ، فيما إذا ثبت أنّ استعماله فيه كان بنحو سبك المجاز عن الحقيقة ، مع احتمال جريان عادته على نصب القرينة لتعيين كلّ منهما ، نعم لو ثبت الأمر الثاني من الأمرين لكفى في جريان النزاع ، ولا حاجة معه إلى اثبات الأمر
__________________
(١) نهاية الأفكار : ١ / ٧٣.