وبالجملة : الذي يتكفّله الدليل ، ليس إلّا الانفكاك بين الإرادة الحقيقية ، والطلب المنشأ بالصيغة الكاشف عن مغايرتهما. وهو ممّا لا محيص عن الالتزام به ، كما عرفت ، ولكنه لا يضرّ بدعوى الاتحاد أصلا ، لمكان هذه المغايرة والانفكاك بين الطلب الحقيقي والإنشائي ، كما لا يخفى.
ثمّ إنّه يمكن ـ مما حققناه ـ أن يقع الصلح بين الطرفين ، ولم يكن نزاع في البين ، بأن يكون المراد بحديث الاتحاد ما عرفت من العينية مفهوما ووجودا حقيقيا وإنشائيا ، ويكون المراد بالمغايرة والاثنينية هو اثنينية الإنشائي من الطلب ، كما هو كثيرا ما يراد من إطلاق لفظه ، والحقيقي من الإرادة ، كما هو المراد غالبا منها حين إطلاقها ، فيرجع النزاع لفظيا ، فافهم.
______________________________________________________
يكون غرض المولى من أمره عصيان العبد ، ليعتذر عن توبيخه وعقابه على مخالفته ـ ففي موردهما يجد الآمر من نفسه حقيقة أمره وطلبه ، مع أنّه لا يريد فعله ، وهذا شاهد لكون الطلب غير الإرادة كما استدلّ على ثبوت الكلام النفسي بثبوت المدلول في مقامات الاخبار كذبا أو تردّدا (١).
ولكن لا يخفى ما فيه ، فإنّه كما لا إرادة في موارد الاختبار والاعتذار ، كذلك لا طلب حقيقيّ في مواردهما ، بل الموجود الطلب الإنشائي ، وقد يعبّر عنه بالإرادة الإنشائية ، وإنّما الاختلاف بين الإرادة والطلب ، كما تقدّم في المعنى المنصرف إليه منهما.
وذكر قدسسره أنّه يمكن أن يقع التصالح بين الطرفين ويرتفع النزاع في البين بأن يكون مراد الأشعري من المغايرة مغايرة الطلب الإنشائي مع الإرادة الحقيقية ، ومراد معظم
__________________
(١) شرح تجريد الاعتقاد للقوشجي : ص ٢٤٦.