دفع وهم : لا يخفى أنّه ليس غرض الأصحاب والمعتزلة ، من نفي غير الصّفات المشهورة ، وأنّه ليس صفة أخرى قائمة بالنفس كانت كلاما نفسيا مدلولا للكلام اللفظي ، كما يقول به الأشاعرة ، إن هذه الصفات المشهورة مدلولات للكلام.
إن قلت : فما ذا يكون مدلولا عليه عند الأصحاب والمعتزلة؟
______________________________________________________
الأصحاب والمعتزلة من الاتحاد اتّحاد الطلب الحقيقي مع الإرادة الحقيقية.
أقول : لا يمكن ان يكون النزاع بين الطرفين لفظيا ، فإنّ الأشعري يلتزم بالكلام النفسي ، ويجعله من صفات الحقّ (جلّ وعلا) وأنّه غير العلم والإرادة ، ويقول بأنّ الكلام اللفظي كاشف عنه وطريق الوصول إليه ، وعليه فلا بدّ من فرض صفة زائدة على العلم والإرادة ، حيث إنّه سبحانه كما يوصف بأنّه عالم ومريد ، يوصف بأنّه متكلّم ، ولعلّه إلى ذلك أشار في آخر كلامه بقوله «فافهم».
وذكر المحقّق النائيني قدسسره ما حاصله : أنّ قضية الكلام النفسي على ما التزم به الأشعري وإن كان أمرا موهوما ـ إذ ليس في النفس غير الإرادة ومبادئها ، وغير العلم بثبوت النسبة أو لا ثبوتها ، وغير تصور النسبة بأطرافها ، أمر آخر يكون كلاما نفسيا ، والإرادة الخارجية وإن لم تكن مدلولا للأمر لا بمادّته ولا بصيغته ولا بغيرهما ، كما لا يكون مدلول الجملة الخبرية العلم بثبوت النسبة أو لا ثبوتها ؛ إذ دلالتها على تصوّر المتكلم لمدلول الكلام عقلية ، والعلم بتحقّق النسبة خارجا يستفاد من أمر آخر غير نفس الكلام ـ إلّا أنّه مع ذلك كلّه لا يكون الطلب حقيقة عين الإرادة ، فإنّ الطلب هو الاشتغال بتحقيق المطلوب والوصول إليه بالشروع في فعل أو أفعال يترتّب عليه أو عليها ذلك المقصود جزما أو احتمالا ، ولذا يطلق على من يجتهد في تحصيل متاع الدنيا وغرورها أنّه طالبها ، وللحاضر في المجالس العلمية بغرض التعلّم أنّه طالب العلم ، وعلى السائر في مظانّ الوصول إلى الضالّة بغرض الوصول إليها أنّه طالبها ،