قلت : أمّا الجمل الخبرية ، فهي دالّة على ثبوت النسبة بين طرفيها ، أو نفيها في نفس الأمر من ذهن أو خارج ، كالإنسان نوع أو كاتب.
وأمّا الصيغ الإنشائية ، فهي ـ على ما حققناه في بعض فوائدنا ـ موجدة لمعانيها في نفس الأمر ، أي قصد ثبوت معانيها وتحققها بها ، وهذا نحو من الوجود ، وربّما يكون هذا منشأ لانتزاع اعتبار مترتب عليه شرعا وعرفا آثار ، كما هو الحال في صيغ العقود والإيقاعات.
______________________________________________________
والطلب في هذه الموارد حقيقي ، وهو كما ترى غير الشوق المؤكّد المحرّك للعضلات نحو الفعل ، فلا يكون مجرّد الاشتياق طلبا مهما كان بالغا وشديدا ، وإنّما الطلب هو التصدّي لتحصيل المطلوب بالاشتغال بالفعل والشروع فيه.
وبالجملة إن كان المدّعى أنّ المفهوم من لفظ الطلب عين المفهوم من لفظ الإرادة ، فلم يقم على ذلك دليل ، إلّا مجرّد دعوى الوجدان ، ولعلّه لم يذهب إليه غير صاحب الكفاية قدسسره ، والقائلون بالاتّحاد يريدون الاتّحاد عينا ، واستشهدوا بالوجدان على هذا الاتحاد ، مع أنّ صدق الإرادة دون الطلب فيما إذا لم يتصدّ لتحصيل المطلوب كاف في الإذعان باختلافهما مفهوما وخارجا ، حيث إنّ الإرادة من الكيف النفساني ، والطلب من مقولة الفعل.
وعلى ذلك فتصدّي المولى لتحصيل مقصوده بأمر الغير بإتيان المطلوب يكون طلبا ، فيكون الأمر بمادة الأمر أو بصيغته أو بغيرهما مصداقا للطلب ، لا أنّ المستعمل فيه في الموارد المذكورة معنى لفظ الطلب ومفهومه ، كما هو ظاهر الكفاية ، بل المستعمل فيه في جميع ذلك إيقاع المادة على الغير تشريعا واعتبار كون الفعل على عهدته ، كما تقدّم (١).
__________________
(١) أجود التقريرات : ١ / ٨٨.