.................................................................................................
______________________________________________________
الكون من الممكنات تحتاج في بقائها ، كحدوثها إلى الموجب.
وينبغى أن يبتنى مسلك التفويض على أمر آخر ، وهو أنّ الممكن وإن كان محتاجا في بقائه إلى العلّة ، إلّا أنّ حاجة الكائنات ومنها الإنسان إلى ذات الباري (عزوجل) من قبيل حاجة المنفعل والمصنوع إلى الفاعل والصانع ، فتكوين الإنسان وسائر الكائنات وإن حصل بإرادة الله (عزوجل) ومشيّته التي بها تكوّنت الأشياء وظهرت من ظلمات الماهيات إلى نور الوجود إلّا أنّ بقائها مستند إلى موجبات البقاء فيها من الخصوصيات والاستعدادات المكنونة في بعض الأشياء واستمداد بعضها من البعض الآخر نظير البناء ، فإنّه وإن احتاج في حدوثه إلى البنّاء ، ولكن بقائه مستند إلى القوة والاستعداد في الأجزاء المستعملة في البناء.
والله (سبحانه) خلق الأشياء وكوّنها بإرادته ومشيّته ، بما فيها من الخصوصيّات والاستعدادات ، ولكن تلك الخصوصيّات والاستعدادات الحادثة بعد حدوث المثل أو قبله تنتهي وتفنى ، وإذا انتهى بعض ما في الكون الظاهر لنا من الخصوصيّات والاستعدادات يظهر أنّ كلّ شيء منه فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ، وعلى ذلك فالإنسان المخلوق في الكون والباقي منه الموجود بتوليد المثل يكون كلّ ما يفعله بإرادته واختياره من نفسه ، ولا يستند شيء منها إلى الخالق (سبحانه) لعدم استناده في البقاء إليه.
ولكن لا يخفى سخافة هذا الوجه أيضا ، فإنّ الكائنات في العالم لا تقاس بالبناء الحاصل من فعل البنّاء ، فإنّ خالق الكائنات حيّ قيّوم له ملك السموات والأرض ، إذا أراد شيئا يكون ، وإذا أراد عدمه فلا يكون ، بلا فرق في ذلك بين الأشياء الحاصلة بالعلل المادية أو من أفعال الإنسان أو غيره.