المبحث الرابع : إنّه إذا سلم أنّ الصيغة لا تكون حقيقة في الوجوب ، هل لا تكون ظاهرة فيه أيضا أو تكون؟ قيل بظهورها فيه ، إمّا لغلبة الاستعمال فيه ، أو لغلبة وجوده أو أكمليته ، والكلّ كما ترى ، ضرورة أنّ الاستعمال في الندب وكذا وجوده ، ليس بأقل لو لم يكن بأكثر. وأمّا الأكملية فغير موجبة للظهور ، إذ الظهور لا يكاد يكون إلّا لشدة أنس اللفظ بالمعنى ، بحيث يصير وجها له ، ومجرد الأكملية لا يوجبه ، كما لا يخفى ، نعم فيما كان الأمر بصدد البيان ، فقضية مقدمات الحكمة هو الحمل على الوجوب ، فإنّ الندب كأنّه يحتاج إلى مئونة بيان التحديد والتقييد بعدم المنع من الترك ، بخلاف الوجوب ، فإنّه لا تحديد فيه للطلب ولا تقييد ،
______________________________________________________
في مقام الطلب ولم ينصب قرينة على غير الطلب الوجوبي.
والفرق بين هذه الدعوى ودعوى الظهور المتقدّم هو أنّ هذا الظهور إطلاقي موقوف على جريان مقدّمات الحكمة ، بخلاف الظهور السابق ، فإنّه ظهور انصرافي ولا حاجة في الظهور الانصرافي إلى إجراء مقدّمات الحكمة.
أقول : الصحيح عدم الفرق بين الظهور في صيغة الأمر ، والظهور في الجملة الخبرية التي تستعمل في مقام الطلب ، في أنّ كلّا من الظهورين إطلاقي ، حيث إنّ تفهيم المولى عبده طلب الفعل ـ سواء كان بإنشائه بالصيغة أو بغيره ـ مع عدم ثبوت الترخيص منه في تركه ، مصحّح لمؤاخذته على المخالفة ، كما تقدّم في بيان دلالة الصيغة على الطلب الوجوبي.
ويؤيد ذلك استعمال الجملة الخبرية في موردي الوجوب والاستحباب ، وعدم الفرق في المستعمل فيه بينهما ، كما في قوله عليهالسلام فيمن وجد في إنائه فأرة وتوضّأ منه مرارا وصلّى : «يعيد وضوئه وصلاته» (١) ، فإنّ الإعادة بالإضافة إلى
__________________
(١) الوسائل : ج ١ ، الباب ٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.