لا بدّ منه في استعمال الألفاظ ، وهو كما ترى. مع أنه يلزم أن لا يصدق على الخارجيات ، لامتناع صدق الكلّي العقلي عليها ، حيث لا موطن له إلّا الذهن ، فامتنع امتثال مثل (سر من البصرة) إلّا بالتجريد وإلغاء الخصوصية ، هذا مع أنّه ليس لحاظ المعنى حالة لغيره في الحروف إلّا كلحاظه في نفسه في الأسماء ، وكما لا يكون هذا اللحاظ معتبرا في المستعمل فيه فيها ، كذلك ذاك اللحاظ في الحروف ، كما لا يخفى.
______________________________________________________
أنّ الاستعمال موقوف على لحاظ المعنى وتصوّره ، وقد فرضنا واقع اللحاظ الآلي دخيلا في معنى الحرف ، فلا بدّ من لحاظ الابتداء آليا أوّلا ، ثمّ لحاظ الملحوظ باللّحاظ الأوّل ، وهذا ممّا يكذّبه الوجدان.
أقول : توقّف الاستعمال على لحاظ المستعمل فيه ، وإن كان صحيحا إلّا أنّ لحاظ المستعمل فيه ليس إلّا إحضاره في أفق النفس ، وإذا فرض حضور المستعمل فيه عند النفس باللّحاظ الأوّل ـ كما في المعلوم بالذات ـ فلا معنى لإحضاره فيها بلحاظ آخر وفي الجملة لو كان واقع اللّحاظ الآلي مأخوذا في معاني الحروف لم يكن في استعمالها حاجة إلى أزيد من ذلك اللحاظ.
الثاني : ما ذكره قدسسره من أنّه لو كان اللّحاظ مأخوذا في معاني الحروف لما صحّ أن تصدق معانيها على الخارجيّات ؛ لأنّ الصدق عليها هو الانطباق عليها ، والانطباق هو العينيّة ، والمعنى المركب والمقيد باللحاظ أمر ذهني لا ينطبق على الخارج بوجه. نعم عدم الانطباق لا يمنع الحكاية عن كثيرين فإنّ الطبيعي المقيّد بالكلّي المنطقي لا يمكن حصوله في الخارج ، مع ذلك يكون كلّيا باعتبار حكايته عن كثيرين ـ كما في الكلي العقلي المصطلح ـ وعلى ما ذكر فيمتنع امتثال قوله «سر من البصرة» إلّا بالتجريد بإلغاء خصوصية اللّحاظ عن متعلّق الأمر.