وبالجملة : ليس المعنى في كلمة (من) ولفظ الابتداء ـ مثلا ـ إلّا الابتداء ، فكما لا يعتبر في معناه لحاظه في نفسه ومستقلا ، كذلك لا يعتبر في معناها لحاظه في غيرها وآلة ، وكما لا يكون لحاظه فيه موجبا لجزئيته ، فليكن كذلك فيها.
إن قلت : على هذا لم يبق فرق بين الاسم والحرف في المعنى ، ولزم كون مثل كلمة (من) ولفظ الابتداء مترادفين ، صحّ استعمال كل منهما في موضع الآخر ، وهكذا سائر الحروف مع الأسماء الموضوعة لمعانيها ، وهو باطل بالضرورة ، كما هو واضح.
قلت : الفرق بينهما إنّما هو في اختصاص كلّ منهما بوضع [١] ، حيث إنّه
______________________________________________________
الثالث : ما أشار إليه بقوله : «مع أنّه ليس لحاظ المعنى ... إلخ» يعني ليس اللّحاظ الآلي في استعمالات الحروف إلّا نظير اللّحاظ الاستقلالي في استعمال الأسماء ، وكما أنّ اللحاظ الاستقلالي غير مأخوذ في معانيها في الوضع والاستعمال كذلك اللحاظ الآلي في استعمالات الحروف ووضعها.
ثمّ إنّ قوله قدسسره : «لامتناع صدق الكلّي العقلي عليها ، أي الخارجيات» ليس كما ينبغي ، فإنّ معنى الحرف بناء على تقيّده باللحاظ الآلي وإن كان كالكلّي العقلي من حيث حكايته عن كثير من الخارجيّات إلّا أنّه ليس من الكلي العقلي المصطلح عليه ، والصحيح أن يقال : لامتناع صدقه نظير امتناع صدق الكلّي العقليّ على الخارجيّات.
[١] وبتعبير آخر معنى لفظي «من وابتداء» وإن كان أمرا واحدا يتعلّق به اللحاظ الآلي تارة ، والاستقلالي أخرى ، وشيء من اللحاظين غير مأخوذ في ناحية الموضوع له والمستعمل فيه إلّا أنّ الوضع في الحروف مقيّد بتعلّق اللّحاظ الآلي بمعانيها عند الاستعمال ، وفي الأسماء بتعلّق اللّحاظ الاستقلالي بها كذلك ،