.................................................................................................
______________________________________________________
وثالثا : إنّ ما ذكره قدسسره من أنّ الأمور الإنشائيّة يكون حصولها بالاعتبار القائم بالنفس ولا يحتاج إلى اللّفظ ، بل اللّفظ مبرز لذلك الاعتبار ، لا يمكن المساعدة عليه ، فإنّ الإنشائيّات وإن كان اعتبارها بالنفس ، إلّا أنّها أمور إبرازيّة أيضا ، فما لم يكن في البين إبراز لا يحصل ذلك الأمر الاعتباري حتّى في اعتبار المعتبر ، فلو اعتبر الدائن براءة ذمّة المديون ، ولكن لم يبرز أصلا ، لم يكن إبراء بوجه ، حتّى بنظره قدسسره ، فلو سألناه عن إبرائه ذمّة زيد ـ مثلا ـ فلا يصحّ له أن يقول إخبارا (إنّه بريء الذمّة) ويصحّ أن يقول : (إنّه بريء الذمّة) إنشاء ، فإبراء الذمّة لم يحصل حتّى بنظر المعتبر قبل الإبراز ، فكيف يعتبره موجودا قبل الإبراز؟
وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ قول المخبر (بعت داري بكذا) في مقام الإخبار ، وقول منشئ البيع في مقام إنشائه (بعت داري بكذا) لا يختلفان في المستعمل فيه ، بل المستعمل فيه في كلا المقامين هو صورة وقوع البيع خارجا ، ولكنّ الغرض من إلقاء تلك الصورة إلى ذهن المخاطب يختلف ، ففي مقام الإخبار يكون غرضه أن يفهم السامع الوقوع الخارجي ، مع قطع النّظر عن هذا الاستعمال ، سواء كان السامع بعد التفاته إلى وقوعه بصورته جازما به أو ظانّا أو شاكّا أو حتّى جازما بالعدم ؛ ولذا يصحّ أن ينسب إلى المتكلّم أنّك ذكرت لنا وقوع البيع ، كما يصحّ للمتكلّم أن يقول :
ذكرت لكم وقوع البيع ، وفي مقام الإنشاء يكون غرضه من إحضار صورة وقوع البيع هو أن يتحقّق ذو الصورة خارجا بذلك الإحضار بالتكلّم أو بغيره ، فلو باع الوكيل متاعا وحين إنشاء الوكيل البيع قال المالك لشخص آخر : (بعت مالي) إخبارا ببيع وكيله ، لم يكن قول المالك إنشاء ، بل هو إخبار ، يخالف قول وكيله لمشتري المتاع : (بعت) فإنّه إنشاء.