وعلى هذا ، ليس من باب استعمال اللفظ بشيء ، بل يمكن أن يقال : إنّه ليس أيضا من هذا الباب ، ما إذا أطلق اللفظ وأريد به نوعه أو صنفه [١] ، فإنّه فرده ومصداقه حقيقة ، لا لفظه وذاك معناه ، كي يكون مستعملا فيه استعمال اللفظ في المعنى ،
______________________________________________________
دعاء أبي حمزة الثّمالي : «وأنت دللتني عليك» (١).
ووجه الظهور أنّ الكلام في المقام في الدلالة اللفظية واستعمال لفظ في معنى ، والمراد بها ما تقدّم ، من انتقال ذلك المعنى إلى ذهن السامع بنقل اللفظ إليه ، وهذه تكون من قبيل العلّية والمعلوليّة في الانتقال ، فلا يعقل اتّحاد الدالّ والمدلول خارجا ، وأمّا الدلالة في دعاء أبي حمزة الثّمالي «وأنت دللتني عليك» فهي كون شيء منشأ للعلم به.
ومن الظاهر أنّ الله سبحانه نفسه منشأ لعرفان الخلائق إيّاه ، فإنّه الذي هو خالق الأشياء ومكوّن الأجرام الفلكية والكونيّة ومركّب الإنسان وغيره من سائر الحيوانات ، فيكون كلّ ذلك معرّفا لقدرته وعظمته وجبروته وحكمته ، فإنّ البناء بعظمته يكشف عن مهارة بانيه وبالتالي تظهر مهارة الباني بمهارته نفسه.
وأمّا ما ذكره في الجواب ثانيا من إحضار الموضوع وإلقائه إلى ذهن السامع بلا توسيط استعمال اللفظ ، فهو أمر صحيح ؛ لأنّ الاستعمال إنّما يحتاج إليه فيما إذا لم يمكن إلقاء المعنى ونقله إلى ذهن السامع بلا توسيط ، وأمّا إذا كان مقصود المتكلّم ومراده نفس اللفظ والحكم عليه ، فلا موجب للاستعمال بل لا مصحّح له ، وعليه فلا يكون من باب استعمال اللفظ في المعنى ، كما تقدّم.
[١] ثمّ إنّه قدسسره قد أجرى ما ذكره في ذكر اللفظ وإرادة شخصه ـ من عدم كون
__________________
(١) نهاية الدراية : ١ / ٦١.