والسبب في الثاني اختلاف الأنظار ومبادئها ، كما هو بين سائر علماء الأمة. وأمّا الأول ، فسببه اختلاف الروايات (١) ظاهرا ، وقلّما يوجد فيها التناقض بجميع شروطه ، وقد كانت الأئمة في زمن تقية واستتار من مخالفيهم ، فكثيرا ما يجيبون السائل على وفق معتقده ، أو معتقد بعض الحاضرين ، أو بعض من عساه يصل اليه من المناوئين ، أو يكون عاما مقصورا على سببه ، أو قضية في واقعة مختصّة بها ، أو اشتباها على بعض النقلة عنهم ، أو عن الوسائط بيننا وبينهم كما وقع في الإخبار عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، مع أنّ زمان معظم الأئمة كان أطول من الزمان الذي انتشر فيه الإسلام ووقع فيه النقل عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان الرّواة عنهم أكثر عددا ، فهم بالاختلاف أولى.
ثم إنّه تلخّص جميع الاختلاف وانحصر في أقوال متأخري فقهاء الأصحاب ـ كما تزعم العامة أنّ مذاهب المسلمين انحصرت في عدد خاص ـ فلذلك أوردنا في هذا الكتاب ذكرهم ، وأعرضنا عمن تقدم منهم ، لدخول قوله فيهم ، وليس الغرض منه انتشار المذهب وتبدّد الأقوال ، بل تصحيح ما ينهض عليه الاستدلال ، والله المستعان على كل حال.
__________________
(١) في س : الرواة.