عليه ، فقلت : أيها الصبي ما الذي اعقلت له من الحزن حتى افردك بالخلوة في مجالب الموتى والبكاء على أهل البلاء ، وأنت بغرارة (٥٠) الحداثة مشغول عن اختلاف الأزمان ، وحنين الأحزان؟!! فرفع الصبي رأسه ، وطأطأه واطرق ساعة لا يحيد جوابا ثم رفع رأسه وهو يقول :
ان الصبي صبي
العقل لا صغر |
|
ازرى بذي العقل
فينا لا ولا كبر |
ثم قال لي : يا هذا إنك خلي الذرع من الفكر ، سليم الاحشاء من الحرقة ، آمنت تقارب الأجل بطول الأمل ، ان الذي أفردني بالخلوة في مجالب أهل البلاء يذكرني قول الله عز وجل « إذا هم من الاجداث الى ربهم ينسلون » فقلت : بأبي أنت وأمي من أنت؟ فاني لأسمع كلاما حسنا ، فقال : إن من شقاوة أهل البله قلة معرفتهم بأولاد الأنبياء ، أنا محمد بن علي بن الحسين ، وهذا قبر ابي فأي انس أنس من قربه؟ وأي وحشة تكون معه؟ ثم أنشأ يقول :
ما غاض دمعي عند
نازلة |
|
إلا جعلت لها
البكا سببا |
إني احل ثرى
حللت به |
|
من أن أرى بسواك
مكتئبا |
فاذا ذكرتك
سانحتك به |
|
من الدموع اذا
ما فاض فأنسكبا |
قال قيس : فانصرفت ، وما تركت زيارة القبور منذ ذاك (٥١) والذي يدلل على وضع هذه الرواية انها ذكرت ان الامام كان صبيا بعد وفاة أبيه ، ومما اجمع عليه المؤرخون ان عمره الشريف في ذلك الوقت كان تسعا وثلاثين سنة مع أن التأمل في فصولها يوحي بانها من الموضوعات.
__________________
(٥٠) الغرارة : هي الحداثة في السن.
(٥١) تأريخ ابن عساكر ٥١ / ٤٤ ـ ٤٥.