فيحكم فيها بما تقتضيه الأصول العملية المنقحة في محلها.
واما البحث الثبوتي ، فإذا فرضنا القدرة عقلية بمعنى أنها غير دخيلة في الملاك ، أو أن الدخيل في الملاك هو القدرة التكوينية المصححة لأصل التكليف بشيء ـ القدرة الشرعية بالمعنى الأول على المصطلح المتقدم ـ فسوف يكون ملاك التكليفين معاً فعلياً إلاّ أن المكلف عاجز عن استيفائهما. وفي مثل ذلك كما يمكن للمولى أن يجعل خطابين تعيينيين لكل منهما مشروطاً بترك الآخر ـ التخيير العقلي ـ كذلك يمكنه أن يجعل خطاباً واحداً بالجامع بينهما ـ التخيير الشرعي ـ إذ يكون الفرق بينهما حينئذ في مجرد كيفية صياغة التشريع لا أكثر ، وما قيل من تعدد العقاب على التارك لهما معاً فيما إذا كان التخيير عقلياً ووحدته إذا كان شرعياً ، غير تام على هذا التقدير لأن كون التخيير عقلياً وإن كان يستلزم فعلية الخطابين معاً على التارك لهما إلاّ أنه لا يستلزم تعدد العقاب عليه والوجه في ذلك : أن هناك عدة مسالك في تشخيص ما هو الميزان في تحقق العصيان وصحة العقوبة ، ذكرناها في أبحاث الترتب.
المسلك الأول ـ أن يكون الميزان في العقوبة القدرة علي الامتثال. فكلما لم يكن الامتثال مقدوراً لم يصح العقاب. وهذا هو المسلك الّذي جعله القائلون باستحالة الترتب منطلقاً للنقض على نظرية الترتب وأنها تستلزم العقوبة على أمر غير اختياري ، وبناء عليه لا يكون في موارد التزاحم إلاّ خطاب واحد وعقوبة واحدة.
المسلك الثاني ـ أن يكون الميزان في صحة العقوبة القدرة على التخلص من المخالفة سواء كان ذلك بالامتثال أو برفع الموضوع. وبهذا تصح العقوبة في موارد التزاحم إذا كان التخيير عقلياً ، لأن الفرار والتخلص من مخالفة كلا الوجوبين الترتيبين مقدور للمكلف.
المسلك الثالث ـ أن يكون الميزان في صحة العقوبة أن لا يفوّت على