وجوب الوفاء بالنذر وشبهه باعتبار أن المستظهر عرفاً من أدلة وجوب الوفاء اشتراط القدرة الشرعية اللولائية فيه لا مجرد القدرة الشرعية بالفعل ، أي أن المستفاد منها اشتراط عدم أمر شرعي بالخلاف في نفسه وبقطع النّظر عن وجوب الوفاء لأن الظاهر من القبلية في قوله شرط الله قبل شرطكم أن التكاليف والالتزامات الشرعية المفروضة من قبل الله تعالى لا بد وأن تلحظ في المرتبة السابقة على شروطكم وبقطع النّظر عنها ، فإذا كانت ثابتة كذلك فلا يصل الدور إلى شروطكم ، وهو معنى القدرة الشرعية اللولائية. بينما دليل وجوب الحج حتى لو دل على اعتبار القدرة الشرعية فيه لا يستفاد منه أكثر من اعتبار القدرة الشرعية بالفعل ، وقد تقدم أيضا أن المشروط بالقدرة الشرعية الفعلية يتقدم على المشروط بالقدرة الشرعية اللولائية.
هذه هي التقريبات الصحيحة في تخريج الحكم بتقديم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر وشبهه في موارد التزاحم. ولا يخفى أن طرف المزاحمة مع وجوب الوفاء تارة يكون أصل وجوب : الحج وأخرى : يكون فوريته بناء على وجوبها ، فعلى الأول تتم الوجوه الأربعة جميعاً لترجيح وجوب الحج. وعلى الثاني قد لا تتم إلاّ الثلاثة الأخيرة منها. ثم إنه ربما يحاول تقديم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر بوجهين آخرين.
أولهما : إن القدرة في وجوب الوفاء شرعية ، باعتبار أن موضوعه هو الوفاء بالالتزام والتعهد الصادر من المكلف وهو لا يتعهد إلاّ في حدود العمل المقدور له ، فما التزم به المكلف هو الفعل المقدور وخطاب وجوب الوفاء موضوعه ما التزم به المكلف فيكون الفعل المقدور أيضا. فإذا ضممنا إلى هذا أن القدرة في وجوب الحج عقلية كما تقدم ، تم ترجيحه على وجوب الوفاء.
وفيه : أن الالتزام والتعهد وإن كان مقيداً بالمقدور لباً إلاّ أنه ينبغي أن يراد بالمقدور فيه ما يقابل العجز التكويني الّذي لا يتأتى الالتزام