وأما إذا كان هناك دليل لبي متمثل في السيرة العقلائية أو المتشرعية يدل على حجيته أيضا فلا مانع من أن يقال : أن هذه الطائفة تصلح أن تكون رادعة عن السيرة في جزء من مدلولها مع بقائها ممضاة في جزئها الآخر الّذي يندرج فيه نفس هذه الطائفة ـ بقطع النّظر عن مناقشات قادمة ـ.
الثالثة ـ أن دليلية هذه الطائفة مستحيلة ، لأنه يلزم من دليليتها عدم دليليتها إذ هي أيضا مما لا شاهد عليها من الكتاب الكريم ـ بناء على عدم صحة الاستدلال بالآيات الناهية عن العمل بالظن لنفي حجية خبر الواحد ـ وكل ما يلزم من ثبوته عدمه محال.
والجواب : أن مفاد هذه الأخبار ـ شأن كل قضية عامة ـ يحتوي على إطلاقات عديدة بعدد مصاديق الأخبار الآحاد التي لا شاهد عليها من الكتاب ، ومن جملتها إطلاقها لنفسها بوصفها خبراً واحداً لا شاهد عليه من القرآن الكريم ، والّذي يلزم من دليليته عدم دليليته إنما هو هذا الإطلاق خاصة ، فتكون حجيته مستحيلة دون حجية إطلاقاتها الأخرى.
لا يقال ـ لا يحتمل التفكيك بين خبر وخبر مما لا شاهد عليه من الكتاب ، فسقوط الحجية في بعضها يستلزم سقوطها في الكل ، وبهذا أبطلنا في بحث حجية خبر الثقة الاستدلال بالإجماع المنقول من قبل السيد المرتضى ـ قده ـ لنفي حجية خبر الواحد.
فإنه يقال ـ احتمال التفكيك بين خصوص هذه الأخبار التي لا شاهد عليها من الكتاب وغيرها مما لا شاهد عليه منه موجود هنا وإن لم يكن مثل هذا الاحتمال عرفياً في الفرق بين إخبار السيد وغيره. وذلك باعتبار أن هذه الطائفة ، رغم كونها مما لا شاهد عليها من الكتاب الكريم ، تكون مقربة بحسب النتيجة إلى الكتاب الكريم ، فمن المعقول أن تكون حجة لأجل إسقاط الخبر المخالف للكتاب الكريم عن الحجية.