استمرارية التخيير إنما هو الاستصحاب. وقد أورد عليه : بأن موضوع الحكم المستصحب غير محفوظ فيه ، لأنه عبارة عن المتحير الّذي لا حجة تعيينية له والمكلف بعد أن اختار أحد المتعارضين صار حجة عليه وخرج عن التخيير. وأجيب عن هذا الاعتراض : بأن الموضوع ليس هو المتحيّر إذ لم يؤخذ ذلك في أدلة التخيير وإنما المأخوذ فيها الخبران المتعارضان وهو بقاء محفوظ كما هو حدوثاً.
وتحقيق الكلام في هذا الاستصحاب ، أنه تارة : نبي على التخيير الأصولي ونحاول إثبات استمراره بالاستصحاب ، وأخرى : نبني على التخيير الفقهي ونريد إثبات بقائه بالاستصحاب.
أما التخيير الأصولي ، فهو منحل إلى حكمين ـ على ما تقدمت الإشارة إليه ـ حجية ما اختاره المكلف ، والأمر بأخذ أحدهما كوجوب طريقي. فإن أريد إجراء الاستصحاب في الحكم الثاني ، فاستصحابه لا يثبت حجية ما أخذ به في الزمان الثاني إذ ليس ترتبها عليه من باب ترتب الحكم على موضوعه كما هو واضح. وإن أريد إجراء الاستصحاب في الحكم الأول فمرجعه إلى استصحاب تعليقي ، بأن يقال : إن ما اختاره في المرة الثانية لو كان يختاره سابقاً كان حجة عليه فهو كذلك بقاء ، بل هذا الاستصحاب أشد إشكالاً من استصحاب الحرمة التعليقية للعصير العنبي الّذي بنى المحقق الخراسانيّ ـ قده ـ على جريانه ، لأن إشكال التعارض بينه وبين استصحاب الحلية التنجيزية كان يمكن التغلب عليه هناك بدعوى : أن الحلية مغياة بعدم الغليان والحلية المغياة مع الحرمة التعليقية متوالمتان بوجودهما الوجداني الواقعي فكيف يتعارضان بوجودهما الاستصحابي الظاهري ، واستصحاب الحلية المغياة ينفي الحلية الفعلية بعد حصول الغاية لا قبلها. وأما في المقام فدعوى التعارض المذكور بين هذا الاستصحاب واستصحاب الحجية الفعلية لما أخذ به ابتداء لا جواب عليها ، لأن الحجية بقاء لا يعلم كونها مغياة بعدم الأخذ