فاشتهر فضلها عند الفاضلين ، وعم ذلك أهل الحجاز ، وكان المملوك ممن سمع ذلك فطرب وأثنى وما شرب ، فكان كما قال الشاعر :
ولما بدا لي
ذكركم في مسامعي |
|
تعشقكم قلبي ولم
يركم طرفي |
فكان المملوك يود أنّه يقضي في الحضرة الجمالية عمره ويفوز بخدمتها دهره ، لكن حالت حوادث الأيام دون هذا المرام ، فلما أذن الله سبحانه للمملوك بالاسعاد ، وسهل طريقه الى هذه البلاد وأوصله بفضله الى بغداد ، فلما قرب من الحضرة الجمالية زاد شوقه إليها ، وتمنى أن لا يكون حط رحله الا عليها ، لكن المملوك له ببغداد علاقة ، وهو مستلزم بمن معه من الرفاقة.
وكان في خاطر المملوك مسائل يود أن لو وصلت الى الحضرة الجمالية وكان يحول دون ذلك بعد البلاد القاصية ، فلما تصدق سبحانه على المملوك بقرب الديار ، وانجلى ظلم الليل بضوء النهار ، كتب المملوك الى السيد بعض ما كان يحتاج اليه لعرضه بين يديه ، ونسي المملوك كثيرا وما سطره ، ( وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ) (١).
فسير المملوك هذه الكراريس وهو يسأل من صدقات مولانا النظر الى ما فيها بعين الإغضاء والمسامحة ، فإن المملوك ليس هو من أهل المكافحة ، ولكنه سائل متعلم ، وبأذيال أهل العلم ملتزم ، وفي ضمن الكراريس عدة مسائل يشرفها مولانا بالجواب ، فيفوز بالعلم ويفوز مولانا بالثواب ، وليكن ذلك بخط يده العالية وعبارته الشافية ، ليعد ذلك المملوك أفضل ما ظفر به بعد زيارة المشاهد المشرفة في سفرته ، ويفتخر بذلك بين أهل سيرته ، وقد أكثر المملوك وجاء في سؤاله بالغث والسمين ليستخرج بذلك نفائس الجوهر الثمين ، وما مثل المملوك لهذه المسائل إلا كما قال بعض الأوائل ( شعر ) :
__________________
(١) سورة الكهف : ٦٣.