وأمّا الثاني : أي قاعدة الاحترام ، وهي عبارة عن احترام مال المؤمن وأنّ حرمته كحرمة دمه.
فتقريب دلالتها في المقام هو أنّه بعد ما حكم الشارع بفساد هذه المعاملة وعدم دخول كلّ واحد من العوضين في ملك الآخر لخلل في نفس العقد ، أو في المتعاقدين ، أو في العوضين فقبض كلّ واحد من المتعاملين لمال الآخر بدون اشتغال ذمّته بشيء في قباله ، معناه أنه لا احترام لهذا المال ويذهب هدرا لو تلف بدون إتلاف من طرف القابض ، وهذا مناف مع جعل الشارع حرمته كحرمة دم مالكه ، فكونه محترما معناه أنّ القابض إذا لم يكن مالكا له لفساد المعاملة يكون ضامنا لدركه ، بمعنى أنّه لو تلف فعليه غرامته بالمثل أو القيمة ، لا أنّه يجب عليه الردّ فقط فصرف تكليف ولا ضمان في البين. هذا ما ذكروه.
ولكنّ الإنصاف أنّ صرف كون المال محترما لا يدلّ على أنّه بمحض القبض يكون ضامنا ويكون المال في عهدته ، بل قضيّة احترامه عدم جواز التصرّف فيه بدون إذنه ، وأنّه لو تصرّف فيه وأتلف أو نقص شيء منه بسبب تصرّفه بدون إذن صاحبه فيكون ضامنا لذلك التلف أو ذلك النقص وعليه غرامته إلاّ أن تكون يده يد ضمان. وسنتكلّم عنها ونقول إنّها دليل مستقلّ ، بل هي العمدة في هذا الباب.
والحاصل : أنّ مفاد قاعدة الاحترام هو أنّ مال المؤمن محترم مثل دمه ، فكما أنّه لو جاء ضيف إليه فمات حتف أنفه عنده ليس على المضيف شيء ، فكذلك لو قبض ماله لا بالقهر والغلبة ـ حتّى تكون يده عادية ـ لا شيء عليه لو تلف بالتلف السماوي من دون ارتباط إلى القابض ، لا مباشرة ولا تسبيبا.
ولا منافاة بين عدم الضمان والاحترام ولذلك قال الشيخ الأعظم (١) وشيخنا
__________________
(١) « المكاسب » ص ١٠٣.