ومنها : ما ذكره في التذكرة أيضا وهو أنه : لو نقل صبيّا حرّا إلى مضيعة فاتّفق أن افترسه سبع فلا ضمان عليه (١). وذلك أنّ النقل إلى المضيعة ليس مثل النقل إلى المسبعة ، لأنّ النقل إلى المسبعة ـ أي محلّ السباع ـ سبب غالبي لافتراسه.
وأمّا النقل إلى المضيعة فليس سببا غالبيا ، ولو افتراسه السبع كان من باب الاتّفاق وقد اشترطنا في السبب الموجب للضمان أن يكون سببا غالبيّا للتلف ، لأنّ المضيعة عبارة عن محلّ الضياع ، وعدم الاعتناء بشأن من يسكنه ، وأن تهمل شؤونه.
ومنها : ما ذكره في جامع المقاصد من أنّه لو منع المالك من إمساك دابّته المرسلة حيث يتوقّع تلفها مع بقائها مرسلة. كما أنّه لو أرسلت في الليل في بريّة ، ولا تكون تلك الدابّة من الحيوانات القويّة التي تقدر على حفظ نفسها من السباع ، أو لم تكن الأرض مأمونة من الأخطار ، فحينئذ يكون إمساك المالك سببا لبقائها مرسلة ، وبقاؤها مرسلة ربما ينتهي إلى افتراسها أو تلفها من جهة أخرى (٢).
هذه جملة ممّا ذكره أساطين الفنّ من فروع الضمان بالتسبيب ، سواء لم يكن إتلاف بالمباشرة في البين أصلا ، أو كان ولكن كان ضعيفا.
ولكن كل هذه الفروع كانت فيما إذا كان السبب واحدا. أمّا إذا تعدّد السبب سواء كانا اثنين أو أكثر ، فإمّا يكونا وجدا في عرض واحد ، وإمّا مترتّبان في الوجود.
أمّا الأوّل : فهما أو كلّهم إن كانوا أكثر من اثنين يشتركون في الضمان ، وذلك كما أنّه لو حفر جماعة بئرا في الطريق ، فوقع فيها دابّة أو مال آخر ، لأنّ اختصاص بعضهم بالضمان دون بعض ترجيح بلا مرجّح.
وأمّا الثاني : أي فيما إذا كان مترتّبين في الوجود ، فحوالة الضمان على أوّلهما وجودا ، وذلك لأنّ مع وجود أوّلهما تحقّق ما هو سبب الضمان ، ولا يرفع حكمه ـ أي كونه سببا
__________________
(١) « تذكرة الفقهاء » ج ٢ ، ص ٣٧٦.
(٢) « جامع المقاصد » ج ٦ ، ص ٢١٩.