يدفعه : أنّ ظاهر هذا الكلام هو الأمر بتبليغ الحكم إلى عموم الغائبين ، بل وحتّى المعدومين في ذلك الزمان الذين يوجدون فيما بعد ، فضلا عن الغائبين الموجودين في أماكن مختلفة ، ومن بلاد متعدّدة بعيدة أو قريبة.
والحاصل : أنّ المتفاهم العرفي من أمثال هذه العبارة أن الحاضر والغائب ، بل الموجود فعلا ومن يوجد فيما بعد سواء ، وهو المطلوب.
ومنها : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أوصي الشاهد من أمّتي ، والغائب منهم ، ومن في أصلاب الرجال ، وأرحام النساء إلى يوم القيامة أو يصلوا الرحم » (١).
وهذا الحديث نصّ في العموم ، ولكن ربما يستشكل بأنّه لا يدلّ إلاّ على اشتراك الأمّة جميعا في هذا الحكم فقط ، أي وجوب أو استحباب صلة الرحم. وأمّا الاشتراك في سائر الأحكام فساكت عنه.
اللهمّ إلاّ أن يقال : لا خصوصيّة لصلة الرحم من بين سائر الفرائض ، أو يقال : هذا اللسان ـ أي لسان الوصيّة إلى الأمّة في حكم من الأحكام ـ هو لسان اشتراك الأمّة في الأحكام الشرعيّة ، وكلهم في ذلك سواء. ويمكن أن يستدلّ للمطلب ببعض الآيات ، مثل قوله تعالى ( يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) (٢) ومثل قوله تعالى ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) (٣) ، وكذلك بكثير من الروايات الواردة من أخذ معالم الدين من يونس بن عبد الرحمن (٤) ، وزكريا بن آدم (٥) وأمثالهما من الثقات ، وإرجاعهم الناس إلى هؤلاء من الرواة ونقلة الحديث ، ولا شكّ في أنّ هؤلاء لم يتعلّموا من الإمام عليهالسلام في كلّ موضوع إلاّ حكما واحدا متعلّقا بالجميع ، وكانوا يذكرون ذلك
__________________
(١) « الكافي » ج ٢ ، ص ١٥١ ، باب صلة الرحم ، ح ٥.
(٢) « النساء (٤) : ١١.
(٣) « التوبة (٩) : ١٢٢.
(٤) « وسائل الشيعة » ج ١٨ ، ص ١٠٧ ، أبواب صفات القاضي ، باب ١١ ، ح ٣٣ ، ٣٤ و ٣٥.
(٥) « وسائل الشيعة » ج ١٨ ، ص ١٠٦ ، أبواب صفات القاضي ، باب ١١ ، ح ٢٧.