فليست الاستطاعة مثلا لها تأثير حقيقي في وجوب الحجّ ، وكذلك البول أو النوم وغيرهما من أسباب الوضوء ليس لها تأثير حقيقي في وجوب الوضوء ، وكذلك بالنسبة إلى أسباب الغسل والكفّارة وغيرهما ، بل المذكورات كواشف عن السبب الحقيقي ، وتعدّد المسبّب إنّما يكون بتعدّد السبب الحقيقي وما هو المؤثّر تكوينا ، وإلاّ فتعدّد الكواشف لا يوجب تعدّد المنكشف وما هو العلّة حقيقة.
وقد تقدّم الجواب عن هذا الكلام وأنّ الأسباب والشرائط للأحكام الشرعيّة ليست إلاّ قيودا لموضوعات تلك الأحكام وإن كانت بصورة القضيّة الشرطيّة ، فمعنى إن استطعت فحجّ ، أي يجب الحجّ على المستطيع. وكذلك قوله : إن بلت فتوضّأ ، أي يجب الوضوء على من بال أو نام. وكذلك قوله : إن قتلت مؤمنا خطأ فكفّر بكذا ، أي تجب الكفّارة على من قتل مؤمنا خطأ.
فتعدّد الأسباب الشرعيّة في لسان الأدلّة مرجعه إلى تعدّد الموضوع ، ومعلوم أنّ نسبة الحكم إلى موضوعه نسبة العلّة إلى معلوله ، فإذا تعدّد الموضوع فلكلّ موضوع حكمه ، وقهرا يتعدّد الحكم بتعدّد موضوعه ، فلا ربط لمسألة أصالة عدم التداخل بأنّها أيّ الأسباب الشرعيّة معرّفات أو مؤثّرات حقيقية ، لأنّها ليست إلاّ قيودا للموضوعات ، لا معرّفات ولا مؤثّرات في الأحكام الشرعيّة.
فلا يبتني هذا البحث على ما ذكره فخر المحقّقين وتبعه على ذلك محقّق الخوانساري (١) والفاضلان صاحب اللوامع وصاحب المستند النراقيّان (٢) قدسسره.
وقد ظهر من مجموع ما ذكرنا ثبوت أنّ مقتضى الأصل الأوّلى ، أي الظهور اللفظي فيما إذا تعدّد السبب ـ سواء كانت الجملة بصورة الجملة الشرطيّة ، كما إذا قال : إن بلت فتوضّأ وإن نمت فتوضّأ ، أو كانت بصورة القضيّة الحمليّة ، كما إذا قال : يجب الوضوء
__________________
(١) « مشارق الشموس » ص ٦١ ـ ٦٩.
(٢) انظر : « المستند » ج ٢ ، ص ٣٧١ ، وص ٣٦٧.