ففي الحقيقة هاهنا سبب واحد للكفّارة ، وهو أوّل وجود من المفطرات ، فليس من قبيل تداخل الأسباب أو المسبّبات.
وعلى كلّ حال هذا أصل أوّلى ، ومقتضى أصالة عدم تداخل الأسباب هو تعدّد المسبّب ما لم يأت دليل على خلافه.
وأمّا إتيان دليل على التداخل فلا ينافي هذه القاعدة ، لأنّ هذه القاعدة مفاد ظاهر القضيّة اللفظيّة ، فإذا جاء الدليل على خلافه لا يبقى مجال للأخذ بذلك الظهور ، أو كان المسبّب غير قابل للتكرّر ولا للتأكّد أو كان المسبّب المأتيّ به مصداقا لعنوانين وامتثالا لأمرين ، كما قلنا فيما لو نذر إطعام عالم ونذر أيضا إطعام هاشمي فأطعم عالما هاشميّا فقد أوفي بكلا نذريه وامتثل الأمرين جميعا.
ثمَّ إنّهم بمناسبة البحث عن أصالة عدم تداخل الأسباب في باب الأغسال تكلّموا في مسألة تعدّد حقائق الأغسال واتّحادها ، فذهب المشهور إلى أنّها حقائق مختلفة ، وبعض آخر إلى أنّه حقيقة واحدة ، وهو المحكيّ عن الأردبيلي وتلامذته قدسسرهم (١).
ومعنى كونها حقيقة واحدة تارة باعتبار أنفسها ، وأخرى باعتبار اتّحاد أسبابها ، وثالثة باعتبار آثارها.
أمّا الأوّل ، فلا شكّ في أنّ الغسل عبارة من غسل جميع البدن بإجراء الماء عليه مع النيّة ، أي قصد القربة بهذا الفعل ، ولا فرق بين أن يكون إجراء الماء على جميع البدن غسلا ارتماسيّا أو ترتيبيّا.
والعمدة أنّه هل قصد العنوان لازم في هذه الأغسال وبه يتحقّق وبدونه لا يوجد ، مثلا غسل الجنابة أو الجمعة أو مسّ الميّت لا يتحقّق بدون قصد هذه العناوين ، وإن كان بعنوانه الإجمالي مثل ما في الذمّة ممّا يشير إلى ذلك العنوان ، فيكون حال الغسل
__________________
(١) « مجمع الفائدة والبرهان » ج ١ ، ص ١٣٠ ، « مدارك الأحكام » ج ١ ، ص ٩٨ و ١٩٤.