وكذلك إذا كان لها أسباب محسوسة ، مثل الطهارة والنجاسة والزوجيّة والملكيّة ، وغير ذلك من الاعتبارات الشرعيّة أو العرفيّة التي لها أسباب محسوسة ، فالشهادة بمثل هذه الموضوعات أيضا تقبل ، لإمكان عدّها في المحسوسات باعتبار كون أسبابها محسوسة.
ويمكن أن يقال : إنّ الشهادة على هذا المسبّب غير المحسوس شهادة على السبب المحسوس بالالتزام ، فإذا ثبت السبب بها لكونه محسوسا يثبت المسبّب ، للملازمة بينهما. وحيث أنّ البيّنة من الأمارات ولا مانع من إثبات لوازم ما قامت عليه ، وكذلك ملزوماته بها.
فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ نفس المشهود به إذا كان من المحسوسات فيثبت بالبيّنة ، وكذلك فيما إذا كان له سبب محسوس أو كان له أثر محسوس ، وأمّا فيما عدا ذلك فلا دليل على وجوب قبولها ، لأنّ دليل حجيتها إمّا الأخبار والآيات ، فهي لا تدلّ إلاّ على حجيّة البيّنة إذا كانت شهادتهما وأخبارهما عن مشاهدة وعيان.
وبهذا الاعتبار يطلق على أخبارهما بشيء لفظة « الشهادة » وذلك لأنّ المتفاهم العرفي من كلمة « الشهادة » هو الإخبار عمّا عايناه وعلماه بإحدى الحواس الخمس لا مطلق الإخبار عن علم ، ولذلك لا يقال للإخبار عن رأيه واعتقاده فيما إذا أخبر المجتهد عن رأيه : أنّه شهد بذلك.
وكذلك إخبار أهل الخبرة عن رأيه في موضوع يتعلّق بفنّه ليس من باب الشهادة ، ولذلك لو قلنا بحجيّة قول أهل الخبرة ـ كما هو كذلك ، لقيام سيرة العقلاء عليها ـ لا يعتبر فيه التعدّد ولا العدالة.
وإمّا الإجماع والسيرة ـ أي بناء العقلاء ، أو سيرة المتشرّعة ـ فلأنّ القدر المتيقّن منهما هو فيما إذا كان أخبارهما بأحد الطرق الثلاث ، أي يكون نفس المشهود به من المحسوسات ، أو له آثار محسوسة ، أو يكون له سبب محسوس.