مدّعيا يشكّ في تأثير البيّنة في حقّه ، فلا يصحّ ولا يجوز الحكم له مستندا إلى قيام البيّنة على ما يدّعيه ، لعدم إحراز ميزانيتها للحكم لمثل هذا الشخص.
نعم لو طلب منه الخصم أن يحلف فحلف ، وجب الحكم له مع طلبه من الحاكم ، للعلم إجمالا بوجود الميزان ، إمّا البيّنة لو كان هو المدّعي واقعا ، وإمّا الحلف لو كان هو المنكر بحسب الواقع ، والواقع لا يخلو منهما ، وإلاّ يلزم ارتفاع النقيضين.
نعم لو انفرد كلّ واحد منهما بأحد الأمرين ـ أي البيّنة والحلف ـ فلا يجوز الحكم له ، لعدم إحراز وجود الميزان في حقّه ، كما أنّه لو اجتمع الاثنان ـ أي الحلف والبيّنة ـ لأيّ واحد من المتخاصمين في المفروض جاز أو وجب الحكم له ، للعلم الإجمالي المذكور بوجود الميزان في حقّه.
ولكن أنت خبير بأنّ الشكّ في كونه مدّعيا إذا كان منشأه الشبهة الحكميّة ـ أي الشكّ في حجّية ما هو قوله مخالف له يقينا ـ فبأصالة عدم حجّية ذلك المشكوك الحجّية يثبت عدم حجّيته ، فيثبت عدم كونه مدّعيا ، فلا يكون وظيفته البيّنة قطعا.
وأمّا إذا كان منشأه الشبهة المصداقيّة ـ أي كانت حجّيته معلومة ، ولكن الشكّ في مخالفة قوله لذلك المعلوم الحجّية ـ فحيث أنّ أصالة عدم المخالفة لا تجري ، لأنّ عدم المخالفة عدم نعتي ليس له حالة سابقة بناء على ما حقّقناه في كتابنا « منتهى الأصول » (١) فلا يمكن إحراز أنّه ليس بمدّع وإن قلنا بأنّ المدّعي موضوع مركّب من قول يكون مفاده إثبات أمر على طرفه ، ومن مخالفة ذلك القول للحجّة الفعليّة ، فيكون الأمر في هذه الصورة كما ذكرنا من عدم جواز الحكم بالبيّنة فقط ، أو الحلف وحده.
وأمّا توهّم أنّ عموم « فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ ، والرادّ علينا الرادّ على الله » (٢) بضميمة عموم حجّية البيّنة بالنسبة إلى كلّ
__________________
(١) « منتهى الأصول » ج ٢ ، ص ٤٩٧.
(٢) « الكافي » ج ٧ ، ص ٤١٢ ، باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور ، ح ٥ ، « تهذيب الأحكام » ج ٦ ، ص ٢١٨