نعم مقتضى إطلاق رواية محمّد بن قيس المتقدّمة في الفرع السابق وروايات أخر أنّ الوصيّة للوارث ، سواء قبل الموصى له في حياته أو لم يقبل.
ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق تلك الروايات أنّ الوصيّة تعطي للوارث من دون الاحتياج إلى قبوله ، اللهم إلاّ أن يدّعى الإجماع على لزوم القبول من الوارث ، كما يظهر من بعض عباراتهم. وحكى في الجواهر (١) عن كشف الرموز (٢) ما يقرب من ذلك.
فرع : لو ردّ الموصى له في حياة الموصي فهل تبطل الوصيّة كما لو ردّها بعد موت الموصي ، أم لا فيجوز له القبول بعد الردّ كما هو المشهور؟
والعمدة في دليلهم هو أنّ محلّ القبول والردّ بعد وفاة الموصي ، لأنّ الوصيّة عبارة عن إنشاء ملكيّة مال أو منفعة للموصى له بعد وفاته ، فالإنشاء في حال حياة الموصي ولكن ظرف تحقّق المنشأ على حسب الإيجاب هو بعد وفاة الموصي ، وأمّا في حال حياته فلم يجعل له شيء فلا موضوع لا للردّ ولا للقبول ، فلو ردّ في حال حياة الموصي لا يؤثّر في شيء بل القبول هو الذي يقع في ظرف هو ظرف الردّ والقبول.
ولعلّ ما ذكرنا هو مراد المحقّق قدسسره حيث قال في الشرائع : فإن ردّ في حياة الموصي جاز أن يقبل بعد وفاته ، إذ لا حكم لذلك الرّد (٣). هذا إذا كان الردّ في حال حياة الموصي ، وأمّا إن كان ردّه بعد موت الموصي وكان ردّه هذا قبل أن يقبل ، فتبطل الوصيّة ولا يبقى موضوع للقبول فيما بعد. وهذا الحكم إجماعي لا خلاف فيه من أحد.
والسرّ في عدم تأثير القبول بعد الردّ هو أنّ العقد والمعاهدة بين شخصين لا يمكن إلاّ بتعهّد الموجب والتزامه بما أوجب في قبال تعهّد الآخر بشيء أو أمر ، وإلاّ لا يقع
__________________
(١) « جواهر الكلام » ج ٢٨ ، ص ٢٥٩.
(٢) « كشف الرموز » ج ٢ ، ص ٧٧.
(٣) « شرائع الإسلام » ج ٢ ، ص ٢٤٣.