تَسْبِيحَهُمْ ) (١) ، ولا موجب لحمله على خصوص التسبيح التكويني.
ويظهر من رواية ابن سنان المتقدمة عرض التكليف في الجملة على الماء قبل تعيين أجزائه بصورة المخلوقات ، فراجع.
التنبيه الثالث : انشعاب تلك المادّة إلى : علّيين وسجّين
يظهر من جملة من الروايات المباركة أنّ الله تعالى جعل المادّة التي خلق جميع الأشياء منها على قسمين ، أحدهما : العذب الفرات ، والثاني الملح الأجاج ، وخلق الطينة الطيّبة من الأوّل ، والطينة المنتنة من الثاني ، وسمّى الأوّل علّيّين الذي خلق منه بعد ذلك أرواح المؤمنين وأبدانهم وما يناسبهم من الجنّة ونعيمها ، وسمّى القسم الثاني سجّين الذي خلق منه أرواح الكفار وأبدانهم وما يناسبهم من النار وما فيها.
ويظهر من بعضها أنّ الماء كلّه كان عذبا ، ثمّ عرضت الملوحة على بعض أجزائه. كما في رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : كان الله تبارك وتعالى كما وصف نفسه وكان عرشه على الماء ، والماء على الهواء ، والهواء لا يجري ، ولم يكن غير الماء خلق ، والماء يومئذ عذب فرات ... الخبر (٢).
ولعلّ منشأ التقسيم المذكور مسبوقيّته بعرض ربوبيّته تعالى شأنه على الماء بما له من الأجزاء قبل تمييزها وتجزئتها حسّا ، وإجابة بعضها واستنكاف بعض آخر ، بعد إعطاء العلم والقدرة إيّاها.
ويمكن أن يكون المنشأ علمه سبحانه بما يصدر من كلّ جزء من الطاعة والعصيان ، بعد التمييز والتشخيص ووجدان شرائط التكليف ، كما هو ظاهر رواية الصدوق في العلل بسنده عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ـ في مقام الردّ على قول العمريّ القائل بعدم النفع لاستلام الحجر وبطلان حجّ من فعله ـ : إنّ الله تبارك وتعالى لما خلق السماوات والأرض خلق بحرين : بحرا عذبا وبحرا أجاجا ... فقال أهل اليسار : لم خلقت لنا النار ولم تبيّن لنا ولم تبعث إلينا رسولا؟ فقال الله عزّ وجلّ لهم : ذلك لعلمي بما
__________________
(١) الإسراء ٤٤.
(٢) البحار ٥٧ : ٨٦ ، عن تفسير العيّاشيّ.