أنتم صائرون إليه ، وإنّي سأبتليكم ، فأمر الله عزّ وجلّ النار فأسعرت ... (١).
ويمكن أيضا أن يقال : إنّ ذلك التقسيم واختلاف الطينة لطف من الله تعالى على أصحاب الطينتين. أمّا بالنسبة إلى من يعلم أنّه يؤمن فلأنّ جعل أرواحهم وأبدانهم طيّبة مقتضية للطاعة مائلة إليها إعانة منه تعالى لأهل الإيمان والطاعة بما جعل فيهم من الاقتضاء والميل الطبيعيّ إليهما. وأما بالنسبة إلى من يعلم أنّه يكفر بسوء اختياره فلأنّ جعل طبيعتهم خبيثة مائلة إلى الكفر والعصيان تخفيف منه تعالى في الاستحقاق العقليّ للعقوبة والعذاب ، بما جعل فيهم من الاقتضاء والتمايل إلى المعصية ، فإنّ استحقاق العقوبة على الزنا مثلا ممّن له شهوة شديدة ليس كاستحقاق من هو أقلّ شهوة منه (٢).
ويمكن أن يكون المنشأ غير ذلك ممّا لا نعلمه.
ثمّ بعد تقسيم المادّة على قسمين ـ كما ذكرنا ـ خلق الله تعالى أرواح المؤمنين من عليّين ، وأرواح الكفار من سجّين ، بأن ميّز بين أجزاء تلك المادّة بالأعراض والحدود المختلفة وأفاض على كلّ شخص منها ما شاء من العلم والقدرة ، ثمّ عرض روح محمّد صلىاللهعليهوآله وأرواح أوصيائه عليهمالسلام على سائر الأرواح وكلّفهم بأشخاصهم بالإقرار بربوبيّته ونبوّة نبيّه الأكرم وولاية أوليائه المكرمين ، فآمن القسم الأوّل من الأرواح ، وسمّاهم أصحاب اليمين ، وكفر الآخرون ، وسمّاهم أصحاب الشمال.
وممّا يدلّ على ذلك ما في عدّة من الروايات من أنّ الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، رواه في البحار (٣) ، عن البصائر بسنده عن إسماعيل بن أبي حمزة عمن حدّثه عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وعن سلام بن أبي عمير عن عمارة عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وعن جابر عن أبي جعفر عليهالسلام ، وعن أبي محمّد المشهدي من آل رجاء البجلي عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وعن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام ، وعن أبي البلاد عن بعض أصحاب أمير المؤمنين عليهالسلام ، وعن صالح بن سهل
__________________
(١) علل الشرائع ٢ : ٤٢٥ ، البحار ٥ : ٢٤٥.
(٢) وبهذا علّل في بعض الروايات كفر تارك الصلاة دون الزاني كرواية مسعدة بن صدقة عن الصادق عليهالسلام ، فراجع العلل ٢ : ٣٣٩.
(٣) البحار ٦١ : ١٣١ ـ ١٣٨.