لا روح لها سوى تلك الروح الواحدة. وحيث إنّها أجسام رقيقة مؤيّدة بالنور الواحد فصحّ التعبير عنها بأنّها أبدان نورانيّة. قوله : بلا أرواح ... أي من غير أن يكون لكلّ واحد منها روح مستقلة كالأبدان في الدنيا ، بل جميعها حيّة بروح واحدة هي روح القدس.
أقول : حمل هذه الروايات وأشباهها على مجرّد الصور وإنكار كونها أرواحا ناطقة مجيبة ، وكذا تأويل سائر الروايات الدالّة على سبق الأرواح كما مرّ عن المفيد ـ رحمهالله ـ مما لا ينبغي للمنصف.
التنبيه الخامس : لكلّ روح بدن يناسبها
ثمّ بعد خلق الأرواح بألفي سنة وأخذ العهد والميثاق منها خلق الله تعالى من جزء آخر من المادّة المذكورة ـ بعد جعله ترابا ـ لكل روح بدنا متناسبا ، أي خلق للروح المخلوقة من عليّين ومن العذب الفرات بدنا من عليّين ، وللروح المخلوقة من سجّين والملح الأجاج بدنا من سجين ، كما تدلّ عليه معتبرة جابر ، قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول في هذه الآية : ( وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً ) (١) ، يعني من جرى فيه شيء من شرك الشيطان. ( عَلَى الطَّرِيقَةِ ) يعني على الولاية في الأصل عند الأظلّة حين أخذ الله ميثاق بني آدم. ( لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً ) : يعني لكنّا وضعنا أظلّتهم في الماء الفرات العذب (٢).
ثمّ مزج بين الطينتين فمسح بكلّ بدن مخلوق من عليين مسحة من سجّين ، وبكل بدن مخلوق من سجّين مسحة من عليين ، وخلق منهما الأبدان الذرية ، وصار هذا الامتزاج والمسحة موجبا لصدور العصيان من المؤمن ، والحسنة من الكافر ، وفيه جبر لكسر وقع لأصحاب الشمال في خلقهم من سجّين والملح الأجاج ومزيد محنة لأصحاب اليمين يوجب زيادة أجرهم في الطاعات لوجود مقتضي العصيان فيهم أيضا.
ويستفاد من رواية العلل أنّه لم يفعل بطينة الأئمّة عليهمالسلام ما فعل بطينة المؤمنين من
__________________
(١) الجن : ١٦.
(٢) البحار ٥ : ٢٣٤ ، عن تفسير القمّيّ.