الأجسام. وكما أنّ حياة البدن ليست بذاته بل بولوج الروح والنفس فيه ، وموته بخروج الروح عنه ، كذلك حياة الروح ليست بذاتها ، بل بوجدانها نور العلم الذي هو حقيقة الحياة ، وموتها بسلب النور عنها ، أي بفقدانها إيّاه. وإن كان ذلك النور محيطا بها.
التنبيه الحادي عشر : أدلّة القائلين بتجرّد النفس ، والجواب عنها
استدلوا لتجرّد النفس بأمور :
منها : أنّ النفس تدرك وتعقل الصور العقليّة المشتركة بين كثيرين ، وهي الكلّيات الصادق كلّ منها على أفراد كثيرة. والكلّي ليس له مقدار معيّن ، ولا وضع معيّن ، ولا أين معيّن ، وإلاّ لم يكن صادقا على أفراد مختلفة المقدار والوضع والأين ، فهو مجرّد عن جميعها. وحيث إنّ إدراك النفس إيّاها قيامها بها فتجرّدها مستلزم لتجرّد محلّها ، وإلاّ لزم أن يكون للكلّي بتبع النفس مقدار معيّن ، ووضع معيّن ، وأين معيّن ، وما هو كذلك لا يكون مشتركا صادقا على كثيرين ، وهو خلف.
وأجيب ـ على تقدير تسليم تجرّد الكلّي لإمكان دعوى أنّ الكلّي ليس إلاّ الجزئيّ مع قطع النظر عن مشخّصاته ـ بإمكان منع كون علم النفس بالشيء عبارة عن قيام المعلوم بها قياما حلوليّا ، كي يلزم من تجرّده تجرّدها ، بل هو قيام صدوري بالنور المجرّد الخارج عن النفس ، والنفس تدرك ذاتها بذلك النور ، فلا يلزم من تجرّده تجرّدها.
ومنها : أنّ النفس تقدر على الأفعال غير المتناهية ، فإنّ إدراك الكلي إدراك لأفعال غير متناهية ، والإدراك هو فعل النفس ، والقوى الجسمانية وغير المجرد متناهي التأثير.
وأجيب ـ على تقدير تسليم استلزام القدرة على إدراك الكلي القدرة على الأفعال غير المتناهية ـ بأنّ قدرة النفس إنّما هي بالنور الخارج عن ذاتها ، كما مرّ.
ومنها : أنّ النفس تدرك الأمر البسيط الذي يستحيل عليه القسمة ، كصرف الوجود ، وحيث إنّ إدراك النفس عبارة عن قيام المعلوم بها قياما حلوليّا فيلزم من بساطة الحالّ وتجرّده بساطة المحلّ وتجرّده.
وأجيب أولا : بأنّ النفس تدرك الأمور المركّبة أيضا ، ولازم هذا الدليل تركّب النفس ، ولا يقول المستدلّ به قطعا ، وثانيا : أنّ إدراك النفس ليس بقيام المعلوم بها قياما