حلوليّا ، بل بوجدان النور الخارج عن ذاتها الكاشف عنها وعن معلومها.
ومنها : أنّ النفس مجمع صور كلّ الموجودات والمتقابلات من دون تدافع بينها ، ومورد الميول المتضادّة والأمور المتخالفة ، وليس الجسم كذلك.
وأجيب بأنّ الأجسام مختلفة في قبول الخصوصيات والأعراض ، فمن عدم اتّصاف سائر الأجسام بما تتّصف به النفس لا يلزم خروج النفس عن الجسميّة ، لإمكان اتّصافها ـ مع الجسميّة ـ بخصائص تختصّ بها ، مضافا إلى إمكان القول بأنّ الصور الذهنية محلّها السيّال العامّ المحيط بالنفس لا ذات النفس ، بل هي تشاهدها بنور العلم. والميول والأهواء المختلفة منشؤها الأجزاء المختلفة المؤلّف منها البدن والزمان والمكان والأمور المقارنة لها ، والنفس تدركها بنور العلم ، فلا يلزم من اختلافها وتضادّها خروج النفس من سنخ المادّيات.
ومنها : أنّ القوى الجسمانيّة تكلّ وتعيى بكثرة الأفعال ، والنفس لا تكلّ بكثرة الإدراكات ، وليس ذلك إلاّ لتجرّدها عن أوصاف الجسمانيات.
وأجيب بأنّ إدراك النفس ليس بذاتها بل بالنور الخارج عنها ، كما مرّ.
ومنها : أنّ كمال النفس وهو الفكر موجب لجفاف الدماغ وهزال البدن ، فلو كانت النفس جسما كان كمالها كمال البدن.
وأجيب بأنّ ذلك لا يوجب إلاّ مغايرة النفس للبدن وتجرّدها عن الموادّ الكثيفة التي فيه ، ونحن نقول به.
وبالجملة : جميع ما استدلّوا به على تجرّد النفس ، بمعنى خروجها عن دائرة المحسوسات بالكلّية لا يدلّ إلاّ على وجود شيء مجرّد في ناحية النفس ، وأمّا أنّه هي فلا. وحينئذ لا مانع من أن يقال ـ كما أشرنا إليه غير مرّة ـ أنّ المجرّد هو النور القويّ القاهر الخارج عن حقيقة النفس ، والخالق المتعالي يعطيه ويفيضه عليها ـ كما قد يمنعه ويسلبه منها ـ وقوة النفس وغناها وسائر كمالاتها من جهة هذا النور لا من ذاتها.
وأمّا الأدلّة النقليّة التي تمسّكوا بها لإثبات تجرّد النفس بذاتها فقد ذكرها في