الأسفار (١) ، قال : فلنذكر أدلّة سمعية لهذا المطلب حتى يعلم أنّ الشرع والعقل متطابقان في هذه المسألة كما في سائر الحكميّات. وحاشا الشريعة الإلهيّة البيضاء أن تكون أحكامها مصادمة للمعارف اليقينيّة الضروريّة ، وتبّا لفلسفة تكون قوانينها غير مطابقة للكتاب والسنّة.
أمّا الآيات المشيرة إلى تجرّد النفس فمنها قوله تعالى ـ في حقّ آدم عليهالسلام وأولاده ـ : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ) (٢).
وفي حقّ عيسى عليهالسلام : ( وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) (٣) ، وهذه الإضافة تنادي على شرف الروح وكونها عريّة عن عالم الأجسام.
وفي حق شيخ الأنبياء إبراهيم الخليل عليهالسلام : ( وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) (٤).
وقوله حكاية عنه : ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً ) (٥) ، ومعلوم أنّ الجسم وقواه ليس شيئا منها بهذه الصفات السنيّة من رؤية عالم الملكوت ، والإيقان ، والتوجّه بوجه الذات لفاطر السّماوات. والحنيفيّة ، أي الطهارة والقدس.
ومنها قوله تعالى : ( ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) (٦).
ومنها قوله تعالى : ( سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ ) (٧).
وقوله تعالى : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ) (٨).
__________________
(١) من هنا إلى قوله : لا يصعد من السماء إلاّ من نزل منها ، عبارة الأسفار ٨ : ٣٠٤ ، ولبعض الأحاديث مستند آخر نشير إليه في الهامش.
(٢) الحجر ٢٩ ، ص ٧٢.
(٣) النساء ١٧١.
(٤) الأنعام ٧٥.
(٥) الأنعام ٧٩.
(٦) المؤمنون ١٤.
(٧) يس ٣٦.
(٨) فاطر ١٠.