وعند عروض الغشوة بعد وجدانه ، وكذا وجداننا بعد الفقدان ، فإنّ هذا الوجدان والفقدان وتداوم ذلك في جميع أفراد الإنسان ينبّهنا على أنّ حقيقة الإنسان مظلمة ميّتة بالذات ، وأنّ حياته وشعوره من أوّل العمر إلى آخره إنّما هي ببركة هذا النور الخارج عن حقيقته ، فعند الوجدان يحصل العلم للإنسان ، وعند الفقدان يجهل أو يحصل له النسيان ، وكلّ ذلك لا بنحو الممازجة ، ولا البعد والمفارقة.
وبعد وضوح مغايرته لهذا النور نقول : مغايرة سائر الأشياء المعلومة بالحواسّ الظاهرة لهذا النور أوضح ، فإن كلّ ما يدرك بالحواسّ الظاهرة من الجوهر والعرض مظلم ذاتا ، والعلم المظهر له ذاته النور ، ومباينة نوريّ الذات مظلم الذات ظاهرة.
هذا في المعلومات الخارجية ، أي المحسوسات بالحواسّ الظاهرة ، وأمّا المعلومات النفسيّة أي المتصوّرات فحالها في كونها ظاهرة بنور خارج عن ذات العالم بها واضحة أيضا لمن عرف نور العلم.
وقد مرّ أنّ الدليل على ما ذكرنا كلّه هو نفس نور العلم الظاهر بذاته المعرّف لغيره ، ولا بدّ للمعلّم أن يذكّر به المتعلّم ، ولا طريق له عادة إلاّ ذلك.
التنبيه الثالث عشر : يمكن لكلّ ذرّة وجدان العلم والإدراك
قد مرّ أيضا أنّ ما ذكرناه جار في كلّ شيء بل كلّ ذرّة من ذرّات عالم المادّة ، أي يمكن أن تدرك تلك الذرّة كلّ أمر يدركه الإنسان ، فإنّ توقّف علم الإنسان على سلامة دماغه وبنيته إنّما هو من السنن التي أجراها مسبّب الأسباب بمشيئته ، وهي وإن لم تتخلّف غالبا وبحسب العادة إلاّ أنّ له تعالى شأنه إفاضة نور العلم على كلّ جزء يصدق عليه أنّه شيء دون الجزء المجاور له بدون تلك الأسباب ، كما شاء وأذن لكل شيء أن يسبّح بحمده وإن لم يفقه الناس تسبيحه. وحمله على خصوص التسبيح التكويني أي بلسان الحال لا موجب له ، كما سبّح الحصى في كفّ رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى سمعه الناس (١). وتقدّم ذكر الآيات الدالّة على شهادة الأيدي والأرجل وغيرها يوم القيامة بما
__________________
(١) روى في البحار ١٧ : ٣٧٧ عن الخرائج عن أنس أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أخذ كفّا من الحصى فسبّحن في يده ثمّ صبّهن في يد عليّ عليهالسلام فسبّحن في يده ، حتّى سمعنا التسبيح في أيديهما ، ثمّ