وعن كلّ ما نتصوّره من معلوماتنا النفسيّة ، محيط بها جميعا ، ربما نجده فندرك به أنفسنا ومعلوماتنا وسائر الأشياء ، وربما نفقده فلا ندرك شيئا حتى أنفسنا ، وهو لا يتنزّل عن شموخ مقامه إلى مرتبة نفوسنا ، فضلا عن معلوماتنا النفسيّة ، ولا ترد أنفسنا بكمالها العلميّ في صقع ذلك النور ، كما سيأتي مزيد توضيح لذلك إن شاء الله تعالى.
نقول :
إنّ حقيقة العقل أيضا خارجة عن حقيقتنا ، فمتى نجده يكشف لنا به حسن الأشياء وقبحها مثلا.
ومن طرق التنبيه إلى هذه الحقيقة أن يذكّر المعلّم الواجد لنور العلم والشعور بأنّ أفعال البشر بعضها حسن ، وبعضها قبيح ، وبعضها ليس لها شيء من هاتين الصفتين ، فإذا عرف الصفتين ـ أي ظهرتا بنور العلم والفهم ـ يقال : إنّه عاقل ، وإن لم تظهرا له يقال : إنّه مجنون ، أي مستور عنه عقله ، وهذا أوّل درجة عقل العاقل الذي يصحّ معه التكليف.
فيذكّر بأنّ ما تعرف به هاتان الصفتان هو سنخ نور العلم الذي تظهر به سائر الأمور ، وسائر تلك الأفعال الحسنة والقبيحة ، إلاّ أنّه قبل أن يصير واجدا لهذه الدرجة من نور العلم لا يقال إنّه عاقل ، وبعد وجدانه يقال له عاقل.
٢ ـ يمكن أن يقال : إنّ مرجع التحديد المذكور ومرجع درجات هذا النور إلى تحديد وجدان الواجد لا إلى جعل المراتب لذات ذلك النور. وبعبارة أخرى : مرجع كمال العقل إلى سعة وشدّة في وجدان نور العقل ، لا إلى تفاوت ذات العقل سعة وشدّة.
وبعد وجدان نور العقل ربما يفقده الإنسان لمرض أو شهوة ، إمّا رأسا وإمّا درجة منه ، كما هو الظاهر لمن تأمّل حالات نفسه ، وبهذا الوجدان والفقدان مع عدم النقصان في إنّيته وشخصيّته يتنبّه أنّه ـ كما ذكرنا في حقيقة العلم ـ خارج عن ذات إنّيته.
ونكرّر الكلام فنقول : إنّ العقل هو الحقيقة المعروفة عند كلّ عاقل ، وإنّه الذي يعرف به الحسن والقبيح ، والجيّد والرديّ ، والفريضة والسنّة ، كما نبّهت عليه الرواية النبويّة المتقدّم ذكرها : ... حتّى يولد هذا المولود فيبلغ حدّ الرجال أو حدّ النساء ، فإذا كشف ذلك الستر فيقع في قلب هذا الإنسان نور فيفهم به الفريضة والسنّة ، والجيّد والرديّ ، ألا ومثل