بالعقل أنّه إذا وجدتها النفس صار ذلك منشأ لعقالها عن ارتكاب الأفعال التي يرتكبها الجهّال ، كما في النبويّ : إنّ العقل عقال من الجهل ، والنفس مثل أخبث الدوابّ ، فإن لم تعقل حارت (١).
فالعقل ـ كالعلم ـ ظاهر بذاته للعاقل ، ومغاير حقيقته لحقيقة الإنسان العاقل.
كما يشير إلى مغايرته قوله صلىاللهعليهوآله : ألا ومثل العقل في القلب كمثل السراج في وسط البيت.
وقوله عليهالسلام : إنّ ضوء الروح العقل (٢).
وقوله عليهالسلام : العقل نور في القلب يفرّق به بين الحقّ والباطل (٣).
وقوله صلىاللهعليهوآله : استرشدوا العقل ترشدوا ، ولا تعصوه فتندموا (٤).
ويرشد إلى المغايرة إطلاق الرسول والحجّة عليه ، كما في كلام موسى بن جعفر وعلي بن موسى عليهماالسلام ، فيكون هو الرسول ، والإنسان هو المرسل إليه.
هذا بعض الكلام في مغايرته للعاقل ، وأمّا مغايرته للمعقولات مطلقا فلما ذكرناه من أنّه ظاهر بذاته ومظهر لغيره ، والمعقولات ليست كذلك. والدليل على ما ذكرنا كلّه نفس العقل المعرّف لنفسه وللعاقل والمعقول.
فمن مجموع ما ذكرنا ظهر أنّ المراد من قول موسى بن جعفر عليهماالسلام لهشام : يا هشام إنّ الله يقول : ( إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ) (٥) يعنى العقل (٦) ، أنّ القلب هو الذي له العقل ، لا أنّ القلب هو العقل بعينه ، فإنّه ينافي قوله صلىاللهعليهوآله : مثل العقل في القلب كمثل السراج في وسط البيت ، وغيره من الروايات المتقدّمة.
__________________
(١) تحف العقول ١٥ ، وعنه البحار ١ : ١١٧.
(٢) راجع ص ١٩.
(٣) إرشاد القلوب ١٩٨.
(٤) البحار ١ : ٩٦ ، عن كنز الفوائد.
(٥) ق ٣٧.
(٦) راجع ص ١٥.