حلول واتحاد ، لأنّهما فرع الاثنينيّة ، وهي خلف. فلذا ليس في الدار غيره ديّار ، وفاعليته وخالقيته عندهم ليست إلاّ تجلّيه بالأسماء والصفات ، وبالوجودات الخاصّة التي هي عين ذاته. فهو الذي يرى رؤية العيان.
ويؤوّلون قوله صلىاللهعليهوآله في خطبته : فتجلّى لخلقه من غير أن يكون يرى (١). بأنّه قال ذلك لمن لا يعرف الأشياء بأنّها عين ذاته الظاهرة فيها ، وإلاّ فلا يدرك أحد شيئا إدراكا بسيطا إلاّ إيّاه. كما صرّح به ملاّ صدرا بأنّ كل ما ندركه فهو وجود الحق في أعيان الممكنات ، فمن حيث هويّة الحقّ هو وجوده (٢).
والجواب عنه : أنّ النقص إنّما يلزم إذا كان له شريك في الشيئية الحقيقية القائمة بذاته وحقيقة النور الحقيقي الأزلي الأبدي الذي هو عين الحياة والقدرة وغيرهما من الكمالات بلا تركيب. وأمّا الشيء الذي شيئيته وواقعيته بالغير القائم ذاته بالغير ، المتحقق بمشيئة الغير ، الحادث بالحدوث الحقيقي ، الفاقد ذاتا للحياة ولجميع الكمالات ، الذي حياته وعلمه وقدرته بواجديته لتلك الأنوار بإذن ربّه وربّها ، ومالكه ومالكها ، وبمشيئته ـ كما هو حقيقة كل مخلوق ـ فما هذه حقيقته فهو حقيقة ناقصة فقيرة ذاتا وكمالا ، وكماله تعالى تنزّهه عن تنزّله إلى رتبتها ، وتشؤّنه وتطوّره بها ، أو رجوعها ووصولها إلى ذاته وفنائها فيه. بل محال ذلك ذاتا ، للمباينة الذاتية بينهما.
فتحديده تعالى إنّما يلزم إذا كان لغيره وجود من سنخ هذا الوجود الذي هو عين النور الأزلي الأبدي ، أو كان زمان أو مكان خاليا ـ أي منعزلا ـ عنه. وأمّا الشيء القائم ذاته به ، المحتاج في كماله وبقائه إليه ، مع إحاطته به ظاهرا وباطنا ، وعدم البينونة بالبينونة العزلية بينه وبينه فليس وجوده موجبا لتحديد ذاته المتعالي عن أوصافه.
توضيح الجواب بعبارة اخرى : يمتنع كون الموجود في دار التحقق حقيقة واحدة وموجودا واحدا ، بل الموجود سنخان متباينان ، وحقيقتان مختلفتان :
أحد السنخين : المتحقق بذاته المستقل في ذاته ، الشيء بحقيقة الشيئية والواقعية ،
__________________
(١) البحار ٤ : ٢٨٨ ، عن التوحيد.
(٢) راجع ص ٧٦.