والنور الحقيقيّ الأزليّ الأبديّ ، أحديّ الذات ، عين جميع الكمالات من العلم والحياة والقدرة ونحوها ، بلا تركيب فيه ولا شبيه له ، ولا ثاني ولا عدل.
والثاني : سنخ آخر غير السنخ المذكور ، أي شيء بالغير ، قائم ذاته بذلك الغير ، وما هو كذلك مباين لما هو شيء بذاته وقائم بنفسه.
إنّه شيء صار شيئا بالغير لا من شيء ، وحيث إنّه لا من شيء فهو غير مترشّح ولا متنزّل عن ذلك الغير ولا عن شيء آخر ، وحيث إنّه لم يكن ثم كان فهو حادث بالحدوث الحقيقي ، وما هو كذلك مباين للذات الأزلي.
وحيث إنّه مظلم ذاتا فهو يتنوّر بنور العلم تارة ، ويرجع إلى ما كان عليه من الظلمة الذاتيّة أخرى ، ثم يتنور ، وهكذا.
ويظهر ما ذكرنا من ملاحظة أنّ من أشرف هذا السنخ الثاني : الذات الإنساني ، فإنّا نجد أنفسنا أنّها كذلك ، ننام فلا نشعر بشيء حتى في المنام ثم نستيقظ ، يغشى علينا ثم نفيق ، ننسى ما كنّا عالمين به ثم نذكر ، فيكون علمنا إنّما هو بوجداننا نور العلم ، وجهلنا بفقداننا إيّاه ، وإن لم نعرف كيفيّة هذا الوجدان والفقدان. وظاهر أنّ ما هو مظلم ذاتا مباين لما هو نور ذاتا. ثم إنّ الكثرة والاختلاف والتركيب والمعروضية للعوارض المحسوسة بالحواس الظاهرة والباطنة إنّما هي في هذا السنخ الثاني ، وظاهر أنّ ما هو كذلك مباين لما هو أحديّ الذات ، فيظهر أنّ ما هو من السنخ الثاني يمتنع دخوله في صقع الأمر الأوّل مهما بلغ من العلم والكمال ، ولا يمكن أن يكون مشابها له أيضا.
وقد مرّ ما عن رسول الله صلىاللهعليهوآله في دعاء الصباح : وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته (١).
وعن أبي جعفر صلوات الله عليه : إنّ الله تبارك وتعالى خلو من خلقه ، وخلقه خلو منه ، وكلّ ما وقع عليه اسم « شيء » ما خلا الله عزّ وجلّ فهو مخلوق (٢).
وعن عليّ صلوات الله عليه : ... توحيده تمييزه عن خلقه ، وحكم التمييز بينونة
__________________
(١) راجع ص ٨٧.
(٢) البحار ٣ : ٢٦٣ ، عن التوحيد.