إذ من الجائز أن يكون مسحه ببلّة يده من جهة استحبابه ، ومع هذا الاحتمال كيف يمكن الاستدلال بها على الوجوب ، هذا.
بل يمكن أن يقال : القرينة قائمة على أن تلك الروايات ليست ناظرة إلى بيان أن المسح يجب أن يكون بالبلة الباقية في اليد ، وذلك لأنها ناظرة إلى بيان أن المسح لا بدّ أن يكون ببلّة الوضوء ، وأنه لا يجوز المسح بالماء الجديد كما عليه الجمهور ، فهذه الروايات غير صالحة للتقييد.
نعم ، ورد في صحيحة زرارة : « وتمسح ببلّة يمناك ناصيتك وما بقي من بلّة يمينك ظهر قدمك اليمنى ، وتمسح ببلّة يسارك ظهر قدمك اليسرى » (١) ودلالتها على الوجوب واضحة ، حيث دلّت على أن مسح الرجل اليمنى باليد اليمنى لا بدّ من أن يكون ببللها كما أن مسح اليسرى باليد اليسرى لا بدّ أن يكون كذلك. وبهذه الصحيحة نقيّد المطلقات المتقدمة ، لأن قوله عليهالسلام « وتمسح » جملة فعلية قد وردت في مقام الإنشاء ، فلا محالة يدلّنا على الوجوب ، وليست معطوفة على فاعل « يجزئك » على ما مرّ مفصّلاً (٢).
ودعوى أنها إنما وردت لبيان أمر آخر وهو اعتبار تقدم مسح الرجل اليمنى على اليسرى ولا نظر لها إلى لزوم كون المسح بالبلة الباقية في اليد غير مسموعة ، لأنها كما وردت لبيان الجهة الأُولى كذلك وردت لبيان الجهة الثانية ، فهي ناظرة إلى كلتيهما ومن هنا قيدت المسح بأن يكون بالبلة الباقية في اليد. ونظيرها صحيحة عمر بن أذينة الواردة في معراج النبي صلىاللهعليهوآله « ثم امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء ورجليك إلى كعبيك » (٣) فإن الأمر ظاهر في الوجوب ، وهي أيضاً قابلة للتقييد ، وبهاتين الصحيحتين نقيد المطلقات المتقدمة.
وأمّا الروايات الواردة في أخذ البلل من اللحية أو الحاجبين أو أشفار العينين فلم
__________________
(١) الوسائل ١ : ٣٨٧ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٢.
(٢) في ص ١١٠.
(٣) الوسائل ١ : ٣٩٠ / أبواب الوضوء ب ١٥ ح ٥.