ورطوبتها ، إلاّ أنه بالنظر إلى أن الأغلب جفاف نداوة اليد فيما إذا ترك المتوضئ المسح ودخل في الصلاة ، وتكون الصحيحة كالمختصة بصورة جفاف اليد وتدلنا على أن من جفت يده ثم تذكر أنه ترك مسح الوضوء جاز له أن يأخذ من بلّة لحيته ، وهذا مما لا كلام فيه.
وإنما الكلام في أن الأخذ من اللحية هل يتعيّن حينئذٍ أو أنه بعد جفاف اليد لا ترتيب بين أعضاء الوضوء ، فله أن يأخذ البلل من لحيته كما أن له أخذ البلل من يده اليسرى أو من سائر أعضائه كحاجبيه وأشفار عينيه؟ فيه كلام وخلاف بين الأصحاب قدسسرهم.
وقد يستدل على الثاني بإطلاقات ما دلّ على وجوب مسح الرأس والرجلين من دون تقييده بشيء ، كما في الآية المباركة وغيرها من الروايات الآمرة بمسح الرأس والرجلين بعد تقييدهما بأن يكون المسح ببلّة اليد ، إذ القدر المتيقن من التقييد إنما هو صورة وجود البلّة في اليد ، إذ حينئذٍ لا يجوز المسح ببلّة غيرها من الأعضاء بلا كلام وأما إذا جفت ويبست فلا مناص من الرجوع إلى المطلقات ، وحيث إنه لا دليل على تقييد المطلقات المذكورة بشيء فمقتضاها جواز المسح ببلّة الوضوء ، سواء أكانت البلّة بلّة اللحية أو بلّه غيرها من أعضاء الوضوء.
ويدفعه أمران : أحدهما : ما حققناه في المباحث الأُصولية من أن إطلاق دليل المقيد مقدّم على إطلاق دليل المطلق (١) ، وبما أن ما دلّ على لزوم كون المسح بالبلة الموجودة في اليد غير مقيد بحالة رطوبة اليد وعدم جفافها فلا مناص من رفع اليد بذلك عن المطلقات في كلتا صورتي رطوبة اليد ويبوستها ، والحكم بأن المسح ببلّة اليد مطلقاً جزء معتبر في الوضوء ، وذلك لأن صحيحة زرارة وغيرها مما قدّمنا (٢) دلالته على التقييد قد وردت إرشاداً إلى اعتبار المسح ببلّة اليد وجزئية ذلك في الوضوء ، بلا فرق في ذلك بين صورتي التمكّن من المسح ببلّة اليد وعدمه ، ومعه لا إطلاق للمطلقات بعد
__________________
(١) راجع مصباح الأُصول ٢ : ٤٦٢.
(٢) في ص ١٣٦.