العقلي واستقلاله في عدم إمكان كون المحرم مصداقاً للواجب.
والوجه في خروج هذا القسم من المانعية عن محل النزاع ، هو أن المكلف إذا اضطر إلى إتلاف ماء الغير أو إلى التصرف في ماله تقيّة أو اضطراراً سقطت عنه حرمته ، لما قدمناه آنفاً من أن الاضطرار والتقيّة يرفعان الأحكام المتعلقة بالفعل الاضطراري لا محالة ، ومع سقوط الحرمة النفسية ترتفع المانعية أيضاً ، لأنها ناشئة ومسببة عنها فاذا زالت زالت.
وأمّا ما ذهب إليه شيخنا الأُستاذ قدسسره من أن الاضطرار والتقيّة وغيرهما من الروافع والأعذار إنما يقتضي ارتفاع الحرمة فحسب ، وأما الملاك المقتضي للحرمة فهو بعد بحاله ولا موجب لارتفاعه بالاضطرار أو التقيّة أو غيرهما ، ومع بقاء الملاك المقتضي للحرمة تبقى المانعية أيضاً بحالها ، لأن للملاك والمفسدة الملزمة معلولين أحدهما : الحرمة النفسية. وثانيهما : المانعية ، وإذا سقط أحدهما وهو الحرمة بالتقية أو بالاضطرار فيبقى معلوله الثاني بحاله لا محالة ، فالمانعية المستفادة من النهي النفسي كالمانعية المستفادة عن النواهي الغيرية ولا ترتفع بالاضطرار إلى التصرف في مال الغير بوجه ،
فمما لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأنّا لو سلمنا أن الاضطرار وغيره من الأعذار غير مقتض لارتفاع المفسدة والملاك كما لا يبعد ، حيث إن الرفع إنما يتصوّر فيما إذا كان هناك مقتض للتكليف كما قدمناه عند التكلّم على حديث الرفع ، فلا نسلم عدم ارتفاع المانعية عند سقوط الحرمة النفسية بالاضطرار ، وذلك لأن الملاك على تقدير بقائه غير مؤثر في المنع عن الفعل المضطر إليه وحرمته ، لأن الشارع قد رخّص في فعله ، ومع عدم تأثير الملاك في المنع والتحريم وجواز التصرف في مال الغير بترخيص الشارع نفسه لا معنى للمانعية في الصلاة ، لضرورة أن العمل إذا كان مباحاً ومرخّصاً فيه في غير الصلاة فهو مباح ومرخّص فيه في الصلاة أيضاً ، فإن الصلاة وغيرها سيان من هذه الجهة ، فإذا جاز له لبس لباس الغير في غير الصلاة جاز له لبسه في الصلاة أيضاً ، إذ لا فرق بينها وبين غيرها من ناحية الترخيص في التصرف في مال الغير.