قياس غير قريب ، وذلك لأن المشكوك فيه في ذلك الحديث إنما هو نفس الجزئية وعدليها ، ومن البديهي أن في جزئية المشكوك فيه أو شرطيته أو مانعيته ضيقاً واضحاً على المكلف ، لأنه تقييد لإطلاق المأمور به وموجب للكلفة والضيق ، فيكون في رفعها عند الشك توسعة له ورفعاً للتضيق الناشئ من جزئية الجزء أو شرطية الشرط أو مانعية المانع ، وأين هذا مما نحن فيه ، لأن الصحيحة ناظرة إلى ما أتى به المكلف من العمل في الخارج كما هو مفاد قوله « ما صنعتم » إذن لا بدّ من ملاحظة أن العمل الخارجي الفاقد لجزئه أو شرطه أو الواجد لمانعه ، أي ضيق يترتب عليه من ناحية ترك الجزء أو الشرط أو الإتيان بالمانع حتى يرتفع بالتقية ويتبدل ضيقه بالسعة ، وقد عرفت أنه لا يوجد أي ضيق يترتب عليه ، فلا موضوع للسعة في التكاليف الغيرية بوجه.
وعلى الجملة : إن الصحيحة قد دلت على التوسعة مما يؤتى به تقيّة ، والتوسعة إنما يكون بأحد أمرين : إما برفع الإلزام المتعلق بالفعل المتقى به كالتحريم في شرب الخمر أو في ترك العبادة الواجبة ، وإما برفع الأحكام المترتبة عليه كوجوب الكفارة في ترك الصيام تقيّة أو في حنث اليمين كذلك وكالحد في شرب المسكر وهكذا ، ولا يوجد شيء من هذين الأمرين في التكاليف الغيرية كما مر.
وكيف كان لا يمكن أن يستفاد من شيء من الأدلة أن العمل الفاقد لجزئه أو لشرطه أو الواجد لمانعه واجب بوجه.
ومن هنا يظهر عدم صحّة التمسّك في المقام بحديث رفع الاضطرار (١) بدعوى دلالته على أن ما أتى به المكلف في الخارج بالاضطرار كأنه مما لم يأت به وأنه كالعدم حقيقة ، فإذا شرب خمراً بالاضطرار أو تكتف في الصلاة تقيّة فكأنه لم يشرب الخمر من الابتداء أو لم يتكتف في صلاته أصلاً ، ومعنى ذلك أن المانعية أعني مانعية التكتف مرتفعة حال التقيّة أو حال الاضطرار فبذلك ترتفع أحكامه وآثاره ، سواء أكانت من الأحكام النفسية أم كانت من الأحكام الغيرية.
__________________
(١) الوسائل ١٥ : ٣٦٩ / أبواب جهاد النفس ب ٥٦ ح ١.