والوجه في عدم صحّة التمسّك به في المقام هو أن ما أتى به المكلف اضطراراً لا معنى لرفعه وهو موجود بالتكوين إلاّ بلحاظ الأُمور المترتبة على وجوده ، كالالزام المتعلق به من وجوب أو تحريم أو حد أو كفارة كما في شرب الخمر وترك الصيام والحنث في اليمين ، وليس شيء من ذلك متحققاً في التكاليف الغيرية كما عرفت ، فلا دلالة للحديث إلاّ على رفع ما يترتب على وجود العمل الصادر بالاضطرار من الآثار والأحكام ، وأما أن العمل الفاقد لجزئه أو لشرطه أو الواجد لمانعه واجب ومجزئ في مقام الامتثال ، فهو مما لا يمكن استفادته من الحديث ، وقد قدّمنا الكلام على حديث الرفع مفصّلاً (١) فليجعل هذا تتميماً لما تقدّم.
ومنها : ما رواه أبو ( ابن ) عمر الأعجمي عن أبي جعفر عليهالسلام أنه قال : « إن التقيّة في كل شيء إلاّ في شرب المسكر والمسح على الخفّين » (٢) بدعوى دلالتها على أن التقيّة ترفع الأحكام المتعلقة بالعمل المأتي به تقيّة مطلقاً ، سواء أكان ذلك من الأحكام النفسية أو من الأحكام الغيرية ، وذلك لمكان استثناء مسح الخفين وهو من المحرّمات الغيرية ، لوضوح عدم حرمة المسح على الخفين حرمة نفسية ، وهذا يدلنا على أن قوله عليهالسلام « كل شيء » يعم التكاليف النفسية والغيرية. فالمتحصل منها أن الجزئية والشرطية والمانعية ترتفع كلها بالتقية والاضطرار ، نظير غيرها من الأحكام النفسية إلاّ في موردين وهما شرب المسكر والمسح على الخفين ، فاذا تكتف في صلاته تقيّة ارتفع عنه المنع الغيري وهو المانعية ، ومعناه عدم مانعية التكتف في الصلاة حال التقيّة.
__________________
(١) في مصباح الأُصول ٢ : ٢٦٧.
(٢) كما نقله شيخنا الأنصاري قدسسره عن أُصول الكافي في رسالة التقيّة [ ص ٣٢٣ السطر ٢٥ ] ناسباً للرواية إلى أبي جعفر عليهالسلام ولكن الموجود في الوسائل منسوب إلى أبي عبد الله عليهالسلام ومشتمل على النبيذ بدل المسكر ، كما أنه مشتمل على جملة أُخرى في صدرها وهي قوله عليهالسلام « لا دين لمن لا تقيّة له » وكذلك الحال في الكافي [ ٢ : ٢١٧ / ٢ ] والوافي [ ٥ : ٦٨٥ / ٣ ] وغيرهما ، فالظاهر أن ما في كلام شيخنا الأنصاري قدسسره من اشتباه القلم فليلاحظ. راجع الوسائل ١٦ : ٢١٥ / أبواب الأمر والنهي ب ٢٥ ح ٣.