ويرد عليه أوّلاً : أن الرواية ضعيفة السند كما تقدّم (١).
وثانياً : أن حمل الرواية على هذا المعنى ، أعني ارتفاع الأحكام المتعلقة بالفعل المأتي به تقيّة ، مضافاً إلى أنه خلاف الظاهر في نفسه ، مما لا يمكن المساعدة عليه لوجود القرينة في نفس الرواية على عدم إرادته ، والقرينة هو استثناء شرب المسكر وذلك لأن حمل الرواية على المعنى المدعى يستلزم الحكم بعدم ارتفاع الحرمة في شرب المسكر عند التقيّة والاضطرار كعدم ارتفاع الحرمة الغيرية في المسح على الخفّين لمكان استثنائهما عن العموم ، وهو مما لا يمكن التفوّه به ، كيف والتقيّة والاضطرار يحللان ما هو أعظم من شرب المسكر كترك الصلاة فيما إذا أجبره الجائر عليه وترتّب ضرر على ترك التقيّة كالقتل ، فكيف يحكم بحرمته حال الاضطرار إلى شربه ، فان حفظ النفس من الهلكة أولى من ترك شرب المسكر فلا وجه لحمل الرواية على هذا المعنى.
بل الصحيح كما هو ظاهرها أن الرواية ناظرة إلى أن تشريع التقيّة وحكمها من الجواز والوجوب جار في كل شيء إلاّ في شرب المسكر والمسح على الخفين ، فإن التقيّة غير مشرعة فيهما فلا يجب أو لا يجوز التقيّة فيهما ، لا أن الحرمة غير مرتفعة عن شرب المسكر في حال التقيّة والاضطرار ، والوجه في ذلك أي عدم تشريع التقيّة في الموردين على ما قدّمناه مفصّلاً عدم تحقّق موضوعها فيهما ، أما في شرب المسكر فلأن حرمته من الضروريات في الإسلام وقد نطق بها الكتاب الكريم ولم يختلف فيها سنِّي ولا شيعي فلا معنى للتقية في شربه.
وأمّا في المسح على الخفّين ، فلأنا لم نعثر فيما بأيدينا من الأقوال على من أوجبه من العامّة ، وإنما ذهبوا إلى جواز كل من مسح الخفين وغسل الرجلين ، نعم ذهبت جماعة منهم إلى أفضليته كما مرّ (٢) وعليه فلا يحتمل ضرر في ترك المسح على الخفّين بحسب الغالب ، نعم يمكن أن تتحقّق التقيّة فيهما نادراً ، كما إذا أجبره جائر على شرب المسكر
__________________
(١) في ص ٢١٦.
(٢) قد مرّ الكلام في ذلك في ص ١١٢ وأشرنا إليه في ص ٢٢٠.