الضرورة والاضطرار مع وجود المندوحة في البين ، ومعه عموم أدلة ذلك الواجب أو المحرم يكون محكماً لا محالة.
وأمّا التقيّة بالمعنى الأخص أعني التقيّة من العامة ، فهي قد تكون في ترك الواجب أو في الإتيان بالحرام ، وأُخرى في ترك جزء أو شرط أو الإتيان بالمانع في المأمور به. وإن شئت قلت : التقيّة قد تكون في غير العبادة من ترك الواجب أو الإتيان بالحرام ، وقد تكون في العبادة.
أمّا التقيّة في ترك الواجب أو الإتيان بالحرام لولا التقيّة فالظاهر فيها اعتبار عدم المندوحة في وجوب التقيّة أو جوازها ، وذلك لأن التقيّة في عدة من الروايات قد قيدت بالضرورة والاضطرار ، وهي الصحاح الثلاث المرويات عن أبي جعفر عليهالسلام ففي بعضها : « التقيّة في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به » وفي الأُخرى : « التقيّة في كل ضرورة » فقد دلّتنا على عدم مشروعية التقيّة في غير الضرورة.
وهذا لا لأجل القول بمفهوم اللقب كما ربما يتراءى من الروايتين ، بل من جهة أن تقديم ما حقه التأخير يفيد حصر المسند في المسند إليه ، فإن حق العبارة لولا الحصر أن يقال : كل ضرورة فيها التقيّة ، فتقديمه عليهالسلام التقيّة على كل ضرورة إنما هو لأجل حصر التقيّة في موارد الضرورة بحسب ظاهر الكلام وبما أن معنى « التقيّة في كل ضرورة » أن التقيّة مشروعة في كل ضرورة ، لعدم كونها ناظرة إلى نفس التقيّة فيستفاد من هاتين الصحيحتين عدم مشروعية التقيّة في غير موارد الضرورة.
وفي الثالثة : « التقيّة في كل شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له » (١) ودلالتها على الحصر أظهر ، لأن الفاء تفريعية فقد دلت على عدم الحلية فيما لا يضطر إليه ابن آدم ، ونحن إنما قلنا بالمفهوم في الجملات الشرطية لمكان الفاء التي هي للتفريع فيكون الحال في المقام هو الحال في الجملات الشرطية فلاحظ.
__________________
(١) الوسائل ١٦ : ٢١٤ / أبواب الأمر والنهي ب ٢٥ ح ٢.