المترتبتين عليه ، أو لا بدّ من الحكم بالبطلان ، ولا يترتب عليه شيء من غايتيه؟
يبتني الإشكال في صحّة الوضوء حينئذٍ على استحالة اجتماع الوجوب والاستحباب في شيء واحد ، لأنهما ضدّان لا يجتمعان في محل واحد ، ومع فرض أن الوضوء مقدمة للغاية الواجبة يتصف لا محالة بالوجوب ، وبعد ذلك يستحيل أن يتصف بالاستحباب ، وبما أنه قد قصد به الغاية المستحبة له فيحكم على الوضوء بالفساد ، لأن ما قصده من الأمر الاستحبابي لم يقع ، والأمر الوجوبي الذي اتصف به الوضوء لم يقصد ، فلا مناص من الحكم بالفساد كما مر.
ثم إن الاستشكال في المسألة بما تقدم تقريبه يبتني على القول بوجوب مقدمة الواجب شرعاً ، وأما إذا أنكرنا ذلك وقلنا بأنه لا دليل على وجوب مقدمة الواجب شرعاً على ما قوّيناه في محلِّه (١) فلا إشكال في المسألة بوجه ، وذلك لأن وجوب المقدمة عقلاً ، أعني اللاّبدية العقلية غير منافٍ للحكم باستحباب المقدمة فعلاً ، فيقال إنها لما كانت مقدمة للغاية المستحبة فلا محالة تكون مستحبة فعلاً من غير أن يكون ذلك منافياً لشيء.
كما أنه يبتني على القول بوجوب المقدمة مطلقاً ، وأما بناءً على أن الواجب من المقدمة هي التي يقصد بها التوصل إلى ذي المقدمة ، كما ذهب إليه شيخنا الأنصاري قدسسره (٢) وقوّاه شيخنا المحقِّق قدسسره (٣) فلا محالة يرتفع الإشكال في المسألة ، نظراً إلى أن المفروض عدم قصد المتوضي التوصل به إلى الواجب ، وحيث إن الواجب من المقدمة ليس هو الطبيعي على إطلاقه ، بل إنما هو حصة خاصة منه ، وهي المقدمة التي قصد بها التوصل إلى الواجب فلا يتصف الوضوء بالوجوب في المقام ، ومعه لا مانع من الحكم باستحبابها فعلاً.
وهذا بخلاف ما إذا قلنا بوجوب المقدمة على نحو الإطلاق ، فإنه حينئذٍ يمكن أن
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٤٣٨.
(٢) مطارح الأنظار : ٧٢ السطر ٨.
(٣) نهاية الدراية ٢ : ١٣٣.