تقيّة ، فالقدر المتيقن من الضرر المسوّغ احتماله للارتكاب إنما هو الضرر المتوجه إلى نفس الفاعل ، سواء أكان بدنياً أم مالياً أم عرضيا ، ويلحق بذلك الضرر المتوجه إلى الأخ المؤمن ، لعدة من الروايات الواردة في جواز الحلف كاذباً لأجل حفظ أموال المسلمين وقد طبق على ذلك في بعضها قوله : « كل ما خاف المؤمن على نفسه فيه ضرورة فله فيه التقيّة » (١).
مع انّ المفروض أنه لا ضرر ولا ضرورة في ترك الحلف على نفسه ، بل الضرورة والضرر متوجهان إلى الأخ المؤمن أو المسلم ، فمن تطبيق الكبرى المذكورة على موارد الضرر المتوجه إلى الأخ المؤمن نستكشف أن الضرر المسوغ للتقية أعم من ضرر نفس الإنسان وضرر أخيه المؤمن.
ثم إنّا نتعدى من مورد الروايات وهو التضرر المالي للأخ المؤمن إلى التضرر العرضي والنفسي بطريق الأولوية ، وعليه فالجامع فيما يسوغ التقيّة في ترك الواجب أو في فعل الحرام إنما هو الضرر المتوجه إلى النفس أو الأخ المسلم في شيء من المال أو العرض أو النفس.
وأما إذا لم يترتب على ترك التقيّة ضرر على نفسه ولا على غيره ، بل كانت التقيّة لمحض جلب النفع من الموادّة والتحابب والمجاملة معهم في الحياة ، فلا تكون مسوّغة لارتكاب العمل المحرم ولا ترك الفعل الواجب ، فليس له الحضور في مجالسهم المحرمة كمجلس الرقص وشرب الخمر ونحوهما لأجل المجاملة ، لعدم تحقق مفهوم التقيّة حينئذٍ حيث لا ضرر يترتب على تركها.
نعم ، لا بأس بذلك في خصوص الصلاة ، فإن له أن يحضر مساجدهم ويصلي معهم للمداراة والمجاملة من دون أن يترتب ضرر على تركه بالنسبة إلى نفسه أو بالإضافة إلى الغير ، وذلك لإطلاقات الأخبار الآمرة بذلك ، لأن ما دلّ على أن الصلاة معهم في الصف الأوّل كالصلاة خلف رسول الله صلىاللهعليهوآله غير مقيد بصورة ترتّب
__________________
(١) الوسائل ٢٣ : ٢٢٧ / أبواب كتاب الايمان ب ١٢ ح ١٦ وغيره.