الأصل عدم التداخل.
وأمّا إذا لم يكن الأمران مولويين كما في المقام ، إذ الأمر بغسل المتنجس إرشادي لا محالة ، لكونه إرشاداً إلى النجاسة وأنها مما ترتفع بالغسل ، فلا مجال فيه لهذه الأصالة وعدمها ، فإن الأمر بالغسل قد يكون إرشاداً إلى أمر واحد وقد يكون إرشاداً إلى أمرين : أعني النجاسة وكونها مما يزول بالغسل ، والأوّل كما إذا فرغنا عن نجاسة شيء فورد الأمر بغسله كما في موثقة (١) عمّار « يُسأل عن الإناء كيف يغسل وكم مرة يغسل؟ قال : يغسل ثلاث مرات ... » (٢) لأن الأمر بالغسل إرشاد إلى أن نجاسته مما تزول بالغسل. والثاني كما إذا لم يعلم نجاسة الشيء قبل ذلك وورد الأمر بغسله ابتداء كما في قوله عليهالسلام « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (٣) لأن الأمر بالغسل في مثله إرشاد إلى نجاسة أبوال ما لا يؤكل لحمه ، وإلى أن نجاسته مما يزول بالغسل ، ومن الظاهر أن طهارة المتنجس بالغسل مما لا يتوقف على القصد ، بل يطهر بمجرد وصول الماء إليه وتحقق غسله ، وعليه فاذا صبّ الماء على العضو المتنجس قاصداً به الوضوء حصلت بذلك طهارته أيضاً كما يتحقق به الوضوء ، بل الأمر كذلك حتى فيما إذا قصد به الوضوء ولم يقصد به الإزالة أصلاً ، كما إذا لم يكن ملتفتاً إلى نجاسته.
نعم ، يبقى هناك احتمال أن تكون الغسلة الوضوئية مشروطة بطهارة المحل قبلها ، فلا يكتفى بطهارته الحاصلة بالوضوء ، ولكنه يندفع بإطلاقات الأمر بغسل الوجه واليدين في الآية المباركة والروايات المشتملة على الأمر بغسلهما ، لعدم تقييد الغسل فيها بطهارة المحل قبل ذلك.
__________________
(١) على ما حقّقه سيِّدنا الأُستاذ ( مدّ ظله ) من أن الصحيح في سندها محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال لا كما في التهذيب [ ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ] والوسائل أعني رواية محمد ابن أحمد بن يحيى عن أحمد بن يحيى وإلاّ فأحمد بن يحيى مجهول فليلاحظ.
(٢) هو مضمون موثقة عمار المروية في الوسائل ٣ : ٤٩٦ / أبواب النجاسات ب ٥٣ ح ١.
(٣) الوسائل ٣ : ٤٠٥ / أبواب النجاسات ب ٨ ح ٢.