الأعضاء المتقدِّمة مدخلية تامّة في تحقّق الموالاة في نظره.
وهذا المعنى من الموالاة أعني عدم جفاف الأعضاء المتقدمة ، وإن كان أمراً تعبدياً في الجملة لا محالة ، إلاّ أنه في الجملة أيضاً موافق للذوق العرفي ، فإن الأعضاء السابقة ما دامت باقية على رطوبتها فكأنها باقية على اتصالها مع الأجزاء اللاّحقة عليها لدى العرف ، وإنما يراها منفصلة عن سابقتها إذا جفت ويبست ، وأما مع بقاء الرطوبة فالوحدة باقية في نظره.
وعليه فمقتضى الجمع بينهما وبين الأخبار المطلقة أن نكتفي في حصول شرط الوضوء بكل من الموالاة العرفية وبقاء الأعضاء المتقدِّمة على رطوبتها ، فأي منهما حصل كفى في الحكم بصحّة الوضوء.
فاذا فرضنا أنه فصل بين أجزاء الوضوء بمقدار مخل للموالاة العرفية ، ولكن الأعضاء المتقدمة كانت باقية على رطوبتها لبرودة الهواء مثلاً كما في الشتاء بحيث لو كان الفصل غير فصل الشتاء لجفت ويبست ، كفى ذلك في صحة الوضوء. كما أنّا لو فرضنا أن الأعضاء السابقة لمرض كما في بعض أقسام الحمى أو لحرارة الهواء تجف بمجرد وصول الماء إليها ، إلاّ أن الفصل المخل بالموالاة العرفية لم يتحقق في الخارج أيضاً حكمنا بصحّة الوضوء.
نعم ، إذا فرضنا أن الأعضاء السابقة قد يبست من جهة التأخير وعدم مراعاة الموالاة حكمنا عليه بالبطلان بمقتضى الموثقة والصحيحة ، وهذا بخلاف ما إذا راعى الموالاة ولكن الأعضاء يبست بسبب حرارة البدن أو الهواء فان الإطلاقات المقتضية للصحة هي المحكّمة وقتئذٍ. فلا نشترط الموالاة العرفية على وجه الإطلاق ، كما لا نشترط بقاء الأعضاء السابقة على رطوبتها على الإطلاق ، هذا.
وقد يُقال مستدلاًّ بالموثقة والصحيحة المتقدِّمتين (١) إن المدار في بطلان الوضوء إنما هو جفاف الأعضاء المتقدمة ، سواء استند ذلك إلى التأخير والفصل الكثير المنافي
__________________
(١) في ص ٣٨٨.